تعالى؟ ثم زاد تعالى في بيان وصف نعيمهم فقال ﴿عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ﴾ أي تعلوهم الثياب الفاخرة الخضراء، المزينة بأنواع الزينة، من الحرير الرقيق وهو السندس والحرير الثخين وهو الاستبرق فلباسهم في الجنة الحرير كما قال تعالى ﴿وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ [الحج: ٢٣] قال المفسرون: السندس ما رقَّ من الحرير، والاستبرق ما غلظ من الحرير، وهذا لباس الأبرار في الجنة، وإِنما قال ﴿عَالِيَهُمْ﴾ لينبه على أن لهم عدة من الثياب، ولكنَّ الذي يعلوها هي هذه، فتكون أفضلها ﴿وحلوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ﴾ أي وألبسوا في الجنة أساور فضية للزينة والحلية وعبَّر بالماضي إشارةً لتحقق وقوعه قال الصاوي: فإن قيل: كيف قال هنا ﴿أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ﴾ وفي سورة الكهف ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ﴾ [الكهف: ٣١] وفي سورة فاطر ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً﴾ [فاطر: ٣٣] فالجواب أنهم تارةً يلبسون الذهب فقط، وتارةً يلبسون الفضة، وتارةً يلبسون اللؤلؤ فقط على حسب ما يشتهون، ويمكن أن يجمع في يد أحدهم أسورة الذهب والفضة واللؤلؤ ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً﴾ أي سقاهم الله فوق ذلك النعيم شراباً طاهراً لم تدنسه الأيدي، وليس بنجس كخمر الدنيا قال الطبري: سُقي هؤلاء الأبرار شراباً طهوراً، ومن طُهْره أنه لايصير بولاً نجساً، بل رشحاً من أبدانهم كرشح المسك، روي أن الرجل من أهل الجنة يقسم له شهوة مائة رجل من أهل الدنيا، فإِذا أكل سقي شراباً طهوراً، فيصير رشحاً يخرج من جلده أطيبُ ريحاً من المسك الإِذخر ﴿إِنَّ هذا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً﴾ أي يقال لهم بعد دخولهم الجنة ومشاهدتهم نعيمها، هذا مقابل أعمالكم الصالحة في الدنيا ﴿وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً﴾ أي وكان عملكم مقبولاً مرضياً، جوزيتم عليه أحسن الجزاء، مع الشكر والثناء.
. مرَّ في الآيات السابقة أن الله تعالى أعدَّ للكافرين السلاسل والأغلال، كما هيأ للأبرار أرائك يتكئون عليها، وعليهم ثياب السندس والاستبرق، وفي معاصمهم أساور الفضة، وبين أيديهم ولدانٌ مخلدون كأنهم اللؤلؤ المنثور، يطوفون على أولئك الأبرار بصحاف الفضة وأكوابها الصافية النقية، وقد ملئت شراباً ممزوجاً بالنزجبيل والكافور، وكلٌّ ذلك للترغيب والترهيب، على طريقة القرآن في المقارنة بين أحوال الأبرار والفجار.. وبعد هذا الوضوح والبيان، كان المشركون يقابلون كل هذه الآيات بالصدِّ والإِعراض، والاستهزاء بالقرآن وبمحمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ، وكان الرسول يتألم ويحزن لموقف المعاندين، لذلك جاءت الآيات تشدُّ من عزيمته، وتسلِّية وتخفف عن قلبه الشريف آثار الهمِّ والضجر ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ القرآن تَنزِيلاً﴾ أي نحن الذين أنزلنا عليك يا محمد هذا القرآن مفرقاً، لتذكرهم بما فيه من الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، فلا تبتئس ولا تحزن ولا تضجر، فالقرآن حقٌ ووعده صدقٌ ﴿فاصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ أي اصبر يا محمد وانتظر لحكم ربك وقضائه، فلا بدَّ أن ينتقم منهم، ويقر عينك بإِهلاكهم، إِنْ عاجلاً أو آجلاً ﴿وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً﴾ أي ولا تطع من هؤلاء الفجرة من كان ﴿آثِماً﴾ منغمساً في الشهوات، غارقاً في الموبقات ﴿أَوْ كَفُوراً﴾ أي ولا تطع من كان مبالغاً في الكفر والضلال، لا ينزجر ولا يرعوي، وصيغة ﴿كفور﴾ من صيغ المبالغة ومعناها المبالغ في الكفر والجحود قال المفسرون: