نزلت في «عتبة بن ربيعة» و «الوليد بن المغيرة» قالا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إِن كنت تريد النساء والمال فارجع عن هذا الأمر ونحن نكفيك ذلك، فقال عتبة: أنا أُزوجك ابنتي وأسوقها لك من غير مهر، وقال الوليد: أنا أعطيك من المال حتى ترضى فنزلت، والأحسنُ أنها على العموم لأن لفظها عام فهي تشمل كل فاسق وكافر ﴿واذكر اسم رَبِّكَ﴾ أي صلِّ لربك وأكثر من عبادته وطاعته ﴿بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ أي في أول النهار وآخره، في الصباح والمساء ﴿وَمِنَ الليل فاسجد لَهُ﴾ أي ومن الليل فصلِّ له، متهجداً مستغرقاً في مناجاته ﴿وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً﴾ أي وأكثر من التهجد والقيام لربك في جناح الظلام والناس نيام كقوله تعالى
﴿وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً﴾ [الإِسراء: ٧٩] والمقصود أن يكون عابداً لله ذاكراً له في جميع الأوقات، في الليل والنهار، والصباح والمساء، بقلبه ولسانه، ليتقوى على مجابهة أعدائه.. وبعد تسلية النبي الكريم، عاد إِلى شرح أحوال الكفرة المجرمين فقال ﴿إِنَّ هؤلاء يُحِبُّونَ العاجلة﴾ أي إِن هؤلاء المشركين يفضلون الدنيا على الآخرة، وينهمكون في لذائذها الفانية ﴿وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً﴾ أي ويتركون أمامهم يوماً عسيراً شديداً، عظيم الأهوال والشدائد، وهو يوم القيامة ﴿نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ﴾ أن نحن بقدرتنا أو جدناهم من العدم، وأحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب والعروق، حتى كانوا أقوياء أشداء ﴿وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً﴾ أي ولو أردنا أهلكناهم، ثم بدلنا خيراً منهم يكونون أعبد لله وأطوع، وفي الآية تهديدٌ ووعيد ﴿إِنَّ هذه تَذْكِرَةٌ﴾ أي هذه الآيات الكريمة بمعناها الدقيق، ولفظها الرشيق، موعظة وذكرى، يتذكر بها العاقل، وينزجر بها الجاهل ﴿فَمَن شَآءَ اتخذ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾ أي فمن أراد الانتفاع والاعتبار وسلوك طريق السعادة، فليعتبر بآيات القرآن، وليستنر بنوره وضيائه، وليتخذ طريقاً موصلاً إلى ربه، بطاعته وطلب مرضاته، فأسباب السعادة ميسورة، وسبل النجاة ممهدة ﴿وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله﴾ أي وما تشاءون أمراً من الأمور، إِلا بتقدير الله ومشيئته، ولا يحصل شيء من الطاعة والاستقامة إِلا بإِذنه تعالى وإِرادته، قال ابن كثير: أي لا يقدر أحدٌ أن يهدي نفسه، ولا يدخل في الإِيمان، ولا يجر لنفسه نفعاً، إلا بمشيئة الله تعالى ﴿إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً حَكِيماً﴾ أي عالم بأحوال خلقه، حكيم في تدبيره وصنعه، يعلم من يستحق الهداية فييسِّرها له، ومن يستحق الضلالة فيسهل له أسبابها، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة ﴿يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ﴾ أي يدخل من شاء من عباده جنَّته ورضوانه حسب مشيئته وحكمته وهم المؤمنون ﴿والظالمين أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾ أي وأما المشركون الظالمون فقد هيأ لهم عذاباً شديداً مؤلماً في دار الجحيم، ختم السورة الكريمة ببيان مآل المتقين، ومآل الكفرة المجرمين.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الطباق بين ﴿شَاكِراً.. وكَفُوراً﴾ وبين ﴿بُكْرَةً.. وَأَصِيلاً﴾ وبين ﴿شَمْساً.. وزَمْهَرِيراً﴾.
٢ - اللف والنشر المشوش ﴿إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ﴾ فإِنه قدَّم أولاً ذكر الشاكر ثم الكافر {


الصفحة التالية
Icon