شَامِخَاتٍ} أي وجعلنا في الأرض جبالاً راسخات عاليات مرتفعات لئلا تضطرب بكم ﴿وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً﴾ أي وأسقيناكم ماءً عذباً حلواً بالغ العذوبة، أنزلناه لكم من السحاب، وأخرجناه لكم من العيون والأنهار، لتشربوا منه أنتم ودوابكم، وتسقوا منه زرعكم وأشجاركم ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ انطلقوا إلى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ أي انطلقوا إِلى عذاب جهنم الذي كنتم تكذبون به في دار الدنيا، وهذا الكلام تقوله لهم خزنة النار تقريعاً وتوبيخاً.. ثم وضَّح ذلك العذاب وفصَّله فقال ﴿انطلقوا إلى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ﴾ أي اذهبوا فاستظلوا بدخانٍ كثيف من دخان جهنم، يتفرع منه ثلاث شعب ﴿لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللهب﴾ أي لا يظل من يكون تحته، ولا يقيه حر الشمس كما هو حال الظل الممدود، ولا هو يدفع عنه أيضاً ألسنة النار المندلعة من كل جانب قال الطبري: لا هو يظلهم من حرها، ولا يكنهم من لهبها، وذلك أنه يرتفع من وقود جهنم الدخان، فإِذا تصاعد تفرَّق شعباً ثلاثة قال المفسرون: سمَّى العذاب ظلاً تهكماً واستهزاءً بالمعذبين، فالمؤمنون في ظلال وعيون، والمجرمون في سموم وحميم، وظلٍ من يحموم، واليحموم دخانٌ أسود قاتم، فكيف يصح أن يسمى ما هم فيه ظلاً إِلا على طريق التهكم والاستهزاء؟ ثم زاد تعالى في وصف جهنم وأهوالها فقال ﴿إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كالقصر﴾ أي إِن جهنم تقذف بشرر عظيم من النار، كلُّ شرارةٍ منه كأنها القصر العظيم قال ابن كثير: يتطاير الشرر من لهبها كالحصون ﴿كَأَنَّهُ جمالت صُفْرٌ﴾ أي كأن شرر جهنم المتطاير منها الإِبل الصفر في لونها وسرعة حركتها قال الرازي: شبَّه تعالى الشرر في العظم بالقصر، وفي اللون والكثرة وسرعة الحركة بالجمالات الصفر، وهذا التشبيه من روائع صور التشبيه، لأن الشرارة إِذا كانت مثل القصر الضخم، فكيف تكون حال تلك النار الملتهبة؟ أجارنا الله من نار جهنم بفضله ورحمته ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ أي هلاك ودمار للمكذبين بآيات الله ﴿هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ﴾ أي هذا اليوم الرهيب، الذي لا ينطق فيه أولئك المكذبون ولا يكتمون كلاماً ينفعهم، فهم في ذلك اليوم خرس بكم ﴿وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ أي ولا يقبل لهم عذرٌ ولا حجة فيما أتوا به من القبائح والجرائم، بل لا يؤذن لهم في أن يعتذروا، لأنه لا تسمع منهم تلك الحجج والأعذار ولا تقبل كقوله تعالى
﴿يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظالمين مَعْذِرَتُهُمْ﴾ [غافر: ٥٢] ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ هذا يَوْمُ الفصل جَمَعْنَاكُمْ والأولين﴾ أي يقال لهم: هذا يوم الفصل بين الخلائق، الذي يفصل الله فيه