تعالى هذه الأدلة التسع على قدرته تعالى، كبرهانٍ واضح على إمكان البعث والنشرو، فإن من قدر على هذه الأشياء قادرٌ على البعث والإِحياء ولهذا قال بعده ﴿إِنَّ يَوْمَ الفصل كَانَ مِيقَاتاً﴾ أي إن يوم الحساب والجزاء، ويوم الفصل بين الخلائق، له وقت محدودٌ معلوم في علمه تعالى وقضائه، لا يتقدم ولا يتأخر ﴿ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ﴾ [هود: ١٠٣١٠٤] قال القرطبي: سمي يوم الفصل لأن الله تعالى يفصل فيه بين خلقه، وقد جعله وقتاً وميعاداً للأولين والآخرين ﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً﴾ أي يكون ذلك يوم أن ينفخ في الصور نفخة القيام من القبور، فتحضرون جماعات جماعات، وزمراً زمراً للحساب والجزاء، ثم ذكر تعالى أوصاف ذلك اليوم الرهيب فقال ﴿وَفُتِحَتِ السمآء فَكَانَتْ أَبْوَاباً﴾ أي تشققت السماء من كل جانب، حتى كان فيها صدوعٌ وفتوحٌ كالأبواب في الجدران، من هول ذلك اليوم كقوله تعالى ﴿إِذَا السمآء انشقت﴾ [الإِنشقاق: ١] وعبَّر بالماضي ﴿وَفُتِحَتِ﴾ لتحقق الوقوع ﴿وَسُيِّرَتِ الجبال فَكَانَتْ سَرَاباً﴾ أي ونسفت الجبال وقلعت من أماكنها، حتى أصبح يخيَّل إِلى الناظر أنها شيء وليست بشيء، كالسراب بظنه الرائي ماءً وليس بماء قال القرطبي: صارت الجبال بعد نسفها هباءً منبثاً لعين الناظر، كالسراب الذي يظنه من يراه ماءً وهو في الحقيقة هباء ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً﴾ أي إِن جهنم تنتظر وتترقب نزلاءها الكفار، كما يترصد الإِنسان ويترقب عدوه ليأخذه على حين غرة قال المفسرون: المرصاد المكان الذي يرصد فيه الراصد العدو، وجهنم تترصَّد أعداء الله لتعذبهم بسعيرها، وهي مترقبة ومتطلعة لمن يمرُّ عليها من الكفار الفجار لتلتقطهم إِليها ﴿لِّلطَّاغِينَ مَآباً﴾ أي هي مرجع ومأوى ومنزل للطغاة المجرمين ﴿لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً﴾ أي ماكثين في النار دهوراً متتابعةً لا نهاية لها قال القرطبي: أي ماكثين في النار ما دامت الأحقاب أي الدهور وهي لا تنقطع، كلما مضى حقب جاء حقب، لأن أحقاب الآخرة لا نهاية لها قال الربيع وقتادة: هذه الأحقاب لا انقضاء لها ولا انقطاع ﴿لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً﴾ أي لا يذوقون في جهنم بدورةً تخفف عنهم حرَّ النار، ولا شراباً يسكِّنُ عطشهم فيها ﴿إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً﴾ أي إِلاّ ماءً حاراً بالغاً الغاية في الحرارة، وغساقاً أي صديداً يسيل من جلود أهل النار ﴿جَزَآءً وِفَاقاً﴾ أي يعاقبهم الله بذلك جزاءً موافقاً لأعمالهم السيئة ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً﴾ أي لم يكونوا يتوقعون الحساب والجزاء، ولا يؤمنون بلقاء الله، فجازاهم الله بذلك الجزاء العادل ﴿وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً﴾ أي وكانوا يكذبون بآيات الله الدالة على البعث وبالآيات القرآنية تكذيباً شديداً ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً﴾ أي وكل ما فعلوه من جرائم وآثام ضبطناه في كتاب لنجازيهم عليه ﴿فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً﴾ أي فذوقوا يا معشر الكفار فلن نزيدكم على استغاثتكم إِلاَّ عذاباً فوق عذابكم قال المفسرون: ليس في القرآن على أهل النار آية هي