أشد من هذه الآية، كلما استغاثوا بنوعٍ من العذاب أغيثوا بأشد منه.
. ولما ذكر تعالى أحوال الأشقياء أهل النار، ذكر بعدها أحوال السعداء الأبرار فقال ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً﴾ أي إِن للمؤمنين الأًَبرار الذين أطاعوا ربهم في الدنيا، موضع ظفر وفوز بجنات النعيم، وخلاص من عذاب الجحيم، ثم فسَّر هذا الفوز فقال ﴿حَدَآئِقَ وَأَعْنَاباً﴾ أي بساتين ناضرة فيها من جميع الأشجار والأزهار، وفيها كروم الأعناب الطيبة المتنوعة من كل ما تشتهيه النفوس ﴿وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً﴾ أي ونساءً عذارى نواهد قد برزت أَثْداؤهنَّ، وهنَّ في سنٍ واحدة قال في التسهيل: الكواعب جمع كاعب وهي الجارية التي خرج ثديها ﴿وَكَأْساً دِهَاقاً﴾ أي وكأساً من الخمر ممتلئةً صافية قال القرطبي: المرادُ بالكأس الخمرُ كأنه قال: وخمراً ذات دِاهقٍ أي مملوءة قد عُصرت وصُفِّيت ﴿لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً﴾ أي لا يسمعون في الجنة كلاماً فارغاً لا فائدة فيه، ولا كذباً من القول لأن الجنة دار السلام، وكل ما فيها سالمٌ من الباطل والنقص ﴿جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً﴾ أي جازاهم الله بذلك الجزاء العظيم، تفضلاً منه وإِحساناً كافياً على حسب أعمالهم ﴿رَّبِّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا الرحمن﴾ أي هذا الجزاء صادرٌ من الرحمن الذي شملت رحمته كل شيء ﴿لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً﴾ أي لا يقدر أحدٌ أن يخاطبه في دفع بلاء، أو رفع عذاب في ذلك اليوم، هيبةً وجلالاً ﴿يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً﴾ أي في ذلك اليوم الرهيب يقف جبريل والملائكة مصطفين خاشعين ﴿لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن وَقَالَ صَوَاباً﴾ أي لا يتكلم أحد منهم إِلاّ من أذن الله له بالكلام والشفاعة ونطق بالصواب قال الصاوي: وإِذا كان الملائكة الذين هم أفضل الخلائق وأقربهم من الله لا يقدرون أن يشفعوا إِلا بإِذنه، فكيف يملك غيرهم؟ ﴿ذَلِكَ اليوم الحق﴾ أي ذلك هو اليوم الكائن الواقع لا محالة ﴿فَمَن شَآءَ اتخذ إلى رَبِّهِ مَآباً﴾ أي فمن شاء أن يسلك إِلى ربه مرجعاً كريماً بالإِيمان والعمل الصالح فلْيفعلْ، وهو حثٌ وترغيب ﴿إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً﴾ الخطاب لكفار قريش المنكرين للبعث أي إنا حذرناكم وخوفناكم عذاباً قريباً وقوعه هو عذاب الآخرة، سمَّاه قريباً لأن كل ما هو آتٍ قريب ﴿يَوْمَ يَنظُرُ المرء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ أي يوم يرى كل إِنسان ما قدَّم من خير أو شر مثبتاً في صحيفته كقوله تعالى
﴿وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً﴾ [الكهف: ٤٩] ﴿وَيَقُولُ الكافر ياليتني كُنتُ تُرَاباً﴾ أي ويتمنى الكافر أنه لم يخلق ولم يُكلَّف ويقول: يا ليتني كنت تراباً حتى لا أحاسب ولا أعاقب قال المفسرون: وذلك حين يحشر الله الحيوان يوم القيامة فيقتصُّ للجمّاء من القرناء، وبعد ذلك يصيّرها تراباً، فيتمنى الكافر أن لو كان كذلك حتى لا يعذب.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الإِطناب بتكرار الجملة للوعيد والتهديد ﴿كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ﴾.
٢ -