التفسِير: ﴿يس﴾ الحروف المقطعة في أوائل بعض السور الكريمة للتنبيه على إعجاز القرآن، وأنه مصوغ من جنس هذه الحروف الهجائية التي يعرفونها ويتكلمون بها، ولكنَّ نظمه البديع المعجز آيةٌ على كونه من عند الله وقال ابن عباس: معنى «يس» يا إنسان في لغة طيء، وقيل: هن اسم من أسماء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بدليل قوله بعده ﴿إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين﴾ وقيل معناه: يا سيد البشر قاله أبو بكر الوراق ﴿والقرآن الحكيم﴾ قسم من الله تعالى بالقرآن، والحكيم معناه المحكم، الذي لا يلحقه تغيير ولا تبديل، ولا يعتريه تناقض أو بطلان قال القرطبي: أُحكم في نظمه ومعانيه فلا يلحقه خلل وقال أبو السعود: أي المتضمن للحكمة أو الناطق بالحكمة من حيث نظُمه المعجز، المنطوي على بدائع الحكم.. والخلاصة فقد أقسم تعالى بهذا الكتاب المحكم، المعجز نظمه، وبديع معانيه، المتقن، في تشريعه وأحكامه، الذي بلغ أعلى طبقات البلاغة، على أن محمداً رسوله، وفي هذا القسم من التعظيم والتفخيم لشأن الرسول ما فيه ﴿إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين﴾ جواب القسم إنك يا محمد لمن المرسلين من رب العالمين لهداية الخلق قال ابن عباس: قالت كفار قريش: لست يا محمد مرسلاً، وما أرسلك الله إلينا، فأقسم الله بالقرآن العظيم المحكم أن محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من المرسلين ﴿على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ أي على طريق ونهج مستقيم، لا انحراف فيه ولا اعوجاج، وهو الإسلام دين الرسل قبلك، والذين جاءوا بالإيمان والتوحيد قال الطبري: أي على طريق لا اعوجاج فيه من الهدى وهو الإسلام كما قال قتادة، والتنكير للفتخيم والتعظيم ﴿تَنزِيلَ العزيز الرحيم﴾ أي هذا القرآن الهادي المنير، تنزيلٌ من ربّ العزة جلا وعلا، والعزيز في ملكه، الرحيم بخلقه ﴿لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ﴾ أي لتنذر يا محمد بهذ القرآن العرب، الذين ما جاءهم رسولٌ ولا كتاب، لتطاول زمن الفترة عليهم، والمراد بالإنذار تخويفهم من عذاب الله ﴿فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ أي فهم بسبب ذلك غافلون عن الهدى والإيمان، يتخبطون في ظلمات الشرك وعبادة الأوثان.. ثم بيَّن تعالى استحقاقهم للعذاب بإصرارهم على الكفر والتكذيب فقال ﴿لَقَدْ حَقَّ القول على أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ﴾ اللام موطئة للقسم أي والله لقد وجب عذاب النار على أكثر هؤلاء المشركين، بسبب إصرارهم على الكفر والإنكار، وعدم تأثرهم بالتذكير والإنذار، فهم لذلك لا يؤمنون بما جئتهم به يا محمد.
. ثم بيَّن تعالى سبب تركهم الإيمان فقال ﴿إِنَّا جَعَلْنَا في أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى الأذقان فَهُم مُّقْمَحُونَ﴾ تمثيلٌ وتصوير لحال المشركين في ضلالهم بحال الذي جعل في يده غلٌّ وجمعت يده إلى عنقه، فبقي رافعاً رأسه لا يخفضه قال في الجلالين: وهذا تمثيل ولمراد أنه لا يُذعنون للإيمان،