في المحشر حفاةً عراةً، خاشعين خاضعين لرب العالمين قال في البحر: وفي هذا الإِنكار والتعجيب، ووصف اليوم بالعظم، وقيام الناس لله خاضعين، ووصفهُ برب العالمين، دليلٌ على عظم هذا الذنب وهو التطفيف، وفي الحديث عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبِّ العالمين﴾ حتى يغيب أحدهم في رشحه إِلى أنصاف أُذنيه.. ثم ذكر تعالى مآل الفجار، ومآل الأبرار فقال ﴿كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفجار لَفِي سِجِّينٍ﴾ أي ليرتدع هؤلاء المطففون عن الغفلة عن البعث والجزاء، فإِن كتاب أعمال الأشقياء الفجار، لفي مكان ضيّق في أسفل سافلين ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ﴾ استفهام للتعظيم والتهويل أي هل تعلم ما هو سجين؟ ﴿كِتَابٌ مَّرْقُومٌ﴾ أي هو كتاب مكتوبٌ كالرقم في الثوب، لا ينسى ولا يمحى، أُثبتت فيه أعمالهم الشريرة قال ابن كثير: ﴿سِجِّينٌ﴾ مأخوذ من السجن وهو الضيق، ولما كان مصير الفجار إِلى جهنم وهي أسفل سافلين، وهي تجمع الضيق والسفول، أخبر تعالى أنه كتاب مرقوم أي مكتوبٌ مفروغ منه، لا يزاد فيه أحد ولا ينقص منه أحد ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ أي هلاك ودمار للمكذبين ﴿الذين يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدين﴾ أي يكذبون بيوم الحساب والجزاء ﴿وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾ أي وما يكذب بيوم الحساب والجزاء ألا كل متجاوز الحد في الكفر والضلال، مبالغ في العصيان والطغيان، كثير الآثام، ثم وضّح من إِجرامه فقال ﴿إِذَا تتلى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأولين﴾ أي إِذا تليت عليه آيات القرآن، الناقطة بحصول البعث والجزاء، قال عنها: هذه حكايات وخرافات الأوائل، سطروها وزخرفوها في كتبهم ﴿كَلاَّ بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ أي ليرتدع هذا الفاجر عن ذلك القول الباطل، فليس القرآن أساطير الأولين، بل غطَّى على قلوبهم ما كسبوا من الذنوب، فطمس بصائرهم فصاروا لا يعرفون الرشد من الغي قال المفسرون: الرَّان هو الذنب على الذنب حتى يسودَّ القلب ﴿كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ﴾ أي ليرتدع هؤلاء المكذبون عن غيهم وضلالهم، فيهم في الآخرة محجوبون عن رؤية المولى جل وعلا فلا يرونه قال الشافعي: وفي هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرونه عَزَّ وَجَلَّ وقال مالك: لما حجب أعداءه لم يروه، تجلَّى لأوليائه حتى رأوه ﴿ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ الجحيم﴾ أي ثم إِنهم مع الحرمان عن رؤية الرحمن، لدخلو الجحيم وذائقو عذابها الأليم ﴿ثُمَّ يُقَالُ هذا الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ أي ثم تقول لهم خزنة جهنم على وجه التقريع والتوبيخ: هذا العذاب الذي كنتم تكذبون به في الدنيا
﴿أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ﴾ [الطور: ١٥] ؟.. وبعد الحديث عن حال الفجار، ذكر تعالى نعيم الأبرار فقال ﴿كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأبرار لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ ﴿كَلاَّ﴾ ردعٌ وزجر أي ليس الأمر كما يزعمون من مساواة الفجار بالأبرار، بل كتابه في سجين، وكتاب الأبرار في عليين، وهو مكان عالٍ مشرَّف في أعلى