الجنة، قال في التسهيل: ولفظ ﴿عليين﴾ للمبالغة، وهو مشتق من العلو لأنه سبب في ارتفاع الدرجات في الجنة، أو لأنه في مكان عليٍّ رفيع فقد روي أنه تحت العرش ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ﴾ تفخيمٌ وتعظيم لشأنه أي وما أعلمك يا محمد ما هو عليون؟ ﴿كِتَابٌ مَّرْقُومٌ يَشْهَدُهُ المقربون﴾ أي كتابٌ الأبرار كتابٌ مسطَّر، مكتوب فيه أعمالهم، وهو في عليين في أعلى درجات الجنة، يشهده المقربون من الملائكة قال المفسرون: إِن روح المؤمن إِذا قُبضت صُعد بها إِلى العرش، فيخرج لهم رقٌّ فيكتب فيه ويختم عليه بالنجاة من الحساب والعذاب يشهده المقربون ﴿إِنَّ الأبرار لَفِي نَعِيمٍ﴾ أي إِن المطيعين لله في الجنات الوارفة، والضلال الممتدة يتنعمون ﴿عَلَى الأرآئك يَنظُرُونَ﴾ أي هم على السرر المزينة بفاخر الثياب والستور، ينظرون إِلى ما أعدَّ الله لهم من أنواع الكرامة والنعيم في الجنة ﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النعيم﴾ أي إِذا رأيتهم تعرف أنهم أهل نعمة، لما ترى في وجوههم من النور والبياض والحسن، ومن بهجة السرور ورونقه ﴿يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ﴾ أي يُسقون من خمرٍ في الجنة، بيضاء طيبة صافية، لم تكدرها الأيدي، قد ختم على تلك الأواني فلا يفك ختمها إِلا الأبرار ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ﴾ أي آخر الشراب تفووح منه رائحة المسك ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المتنافسون﴾ أي وفي هذا النعيم والشراب الهنيء، فليرغب بالمبادرة إِلى طاعة الله، وليتسابق المتسابقون قال الطبري: التنافسُ مأخوذ من الشيء النفيس الذي يحرص عليه الناس، وتشتهيه وتطلبه نفوسهم والمعنى فليستبقوا في طلب هذا النعيم، ولتحرص عليه نفوسهم ﴿وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ﴾ أي يمزج ذلك الرحيق من عينٍ عالية رفيعة، هي أشرف شراب أهل الجنة وأعلاه تسمى «التسنيم» ولهذا قال بعده ﴿عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا المقربون﴾ أي هي عينٌ في الجننة يشر منها المقربون صرفاً، وتمزج لسائر أهل الجنة قال في التسهيل: تسنيم أسمٌ لعين في الجنة يشرب منها المقربون صرفاً، ويمزج منه الرحيق الذي يشرب منه الأبرار، فدل ذلك على أن درجة المقربين فوق درجة الأبرار.
. ولما ذكر تعالى نعيم الأبرار، أعقبه بذكر مآل الفجار، تسليةً للمؤمنين وتقوية لقلوبهم فقال ﴿إِنَّ الذين أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الذين آمَنُواْ يَضْحَكُونَ﴾ أي أن المجرمين الذين من طبيعتهم الإِجرام وارتكاب الآثام، كانوا في الدنيا يضحكون من المؤمنين استهزاءً بهم قال في التسهيل: نزلت هذه الآية في صناديق قريش كأبي جهل وغيره، مرَّ بهم علي بن أبي طالب وجماعة من المؤمنين، فضحكوا منهم واستخفوا بهم ﴿وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ﴾ أي وإِذا مرَّ هؤلاء المؤمنين بالكفار، غمز بعضهم بعضاً بأعينهم سخرية واستهزاءً بهم قال المفسرون: كان المشركون إِذا مرَّ بهم أصحاب رسول الله، تغامزوا بأعينهم عليهم احتقاراً لهم وازدراءً يقولون: جاءكم ملوك الدنيا، يسخرون منهم لإِيمانهم واستمساكهم بالدين ﴿وَإِذَا انقلبوا إلى أَهْلِهِمُ انقلبوا فَكِهِينَ﴾ أي وإِذا انصرف المشركون ورجعوا إلى