ويُتجاوز عن سيئاته، وهذا هو العرضُ كما جاء في الحديث الصحيح ﴿وَيَنقَلِبُ إلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً﴾ أي ويرجع إلى أهله في الجنة مبتهجاً مسروراً بما أعطاه الله من الفضل والكرامة ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ﴾ أي وأمَّا من أعطي كتاب أعماله بشماله من وراء ظهره، وهذه علامة الشقاوة ﴿فَسَوْفَ يَدْعُواْ ثُبُوراً﴾ أي يصيح بالويل والثبور، ويتمنى الهلاك والموت ﴿ويصلى سَعِيراً﴾ أي ويدخل ناراً مستعرة، يقاسي عذابها وحرَّها ﴿إِنَّهُ كَانَ في أَهْلِهِ مَسْرُوراً﴾ أي لأنه كان في الدنيا مسروراً مع أهله، غافلاً لاهياً، لا يفكر في العواقب، ولا تخطر بباله الآخرة قال ابن زيد: وصف الله أهل الجنة بالمخافة والحزن والبكاء في الدنيا، فأعقبهم به النعيم والسرور في الآخرة، ووصف أهل النار بالسرور بالدنيا والضحك فيها، فأعقبهم به الحزن الطويل ﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ﴾ أي إنه ظنَّ أن لن يرجع إِلى ربه، ولن يحييه الله بعد موته للحساب والجزاء، فلذلك كفر وفجر ﴿بلى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً﴾ أي بلى سيعيده الله بعد موته، ويجازيه على أعماله كلها خيرها وشرها، فإِنه تعالى مطلع على العباد، لا تخفى عليه خافية من شئونهم ﴿فَلاَ أُقْسِمُ بالشفق﴾ ﴿لاَ﴾ لتأكيد القسم أي فأقسم قسماً مؤكداً بحمرة الأفق بعد غروب الشمس ﴿والليل وَمَا وَسَقَ﴾ أي وبالليل وما جمع وضمَّ إِليه، وما لفَّ في ظلمته من الناس والدواب والأنعام، فكلٌ يأوي إِلى مكانه وسربه، ولهذا امتن تعالى على العباد فقال
﴿وَجَعَلَ الليل سَكَناً﴾ [الأنعام: ٩٦] فإِذا جاء النهار انتشروا، وإِذا جاء الليل أوى كل شيء إِلى مأواه ﴿والقمر إِذَا اتسق﴾ أي وأقسمُ بالقمر إِذا تكامل ضوءه ونوره، وصار بدراً ساطعاً مضيئاً ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ﴾ هذا جواب القسم أي لتلاقُنَّ يا مشعر الناس أهوالاً وشدائد في الآخرة عصيبة قال الألوسي: يعني لتركبن أحوالاً بعد أحوال، هي طبقات في الشدة بعضها أرفع من بعض، وهي الموتُ وما بعده من مواطن القيامة وأهولها وقال الطبري: المراد أنهم يلقون من شدائد يوم القيامة وأهواله أحوالاً ﴿فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ استفهام يقصد به التوبيخ أي فيما لهؤلاء المشركين لا يؤمنون بالله، ولا يصدّقون بالعبث بعد الموت، بعد وضوح الدلائل وقيام البراهين على قوعه؟ ﴿وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ القرآن لاَ يَسْجُدُونَ﴾ أي وإِذا سمعوا آيات القرآن، لم يخضعوا ولم يسجدوا للرحمن؟ ﴿بَلِ الذين كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ﴾ أي بل طبيعة هؤلاء الكفار التكذيب والعناد والجحود، ولذلك لا يخضعون عند تلاوته ﴿والله أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ﴾ أي والله أعلم بما يجمعون في صدورهم من الكفر والتكذيب قال ابن عباس: ﴿يُوعُونَ﴾ أي يضمرون من عداوة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمؤمنين {فَبَشِّرْهُمْ


الصفحة التالية
Icon