بسطتُه ﴿دَسَّاهَا﴾ أخفاها وأصل الكلمة دسسها أبدلت السين الثانية ألفاً تخفيفاً ﴿فَدَمْدَمَ﴾ الدمدمة: إِطباقُ الشيء على الشيء يقال: دمدم عليه القبر أي أطبقه والمراد به هنا إِطباقُ العذاب عليهم بمعنى إِهلاكهم بطريق الاستئصال ﴿عُقْبَاهَا﴾ عاقبتها وتبعتها.
التفسِير: ﴿والشمس وضحاهاوالليل إِذَا يَغْشَاهَا والسمآء وَمَا بَنَاهَا﴾ أي أُقسم بالشمس وضوئها الساطع إِذا أنار الكون وبدَّد الظلام ﴿والقمر إِذَا تَلاَهَا﴾ أي وأُقسم بالقمر إِذا سطع مضيئاً، وتبع الشمس طالعاً بعد غروبها قال المفسرون: وذلك في النصف الأول من الشهر، إِذا غربت الشمس تلاها القمر في الإِضاءة وخلفها في النور، وحكمةُ القسم بالشمس أن العالم في وقت غيبة الشمس عنهم كالأموات، فإِذا ظهر الصبح وبزغت الشمس دبت فيهم الحياة، وصار الأموات أحياء فانتشروا لأعمالهم وقت الضحوة، وهذه الحالة تشبه أحوال القيامة، ووقتُ الضحى يشبه استقرار أهل الجنة فيها، والشمسُ والقمر مخلوقان لمصالح البشر، والقسم بهما للتنبيه على مافيهما من المنافع العظيمة ﴿والنهار إِذَا جَلاَّهَا﴾ أي وأُقسم بالنهار إِذا جلا ظلمة الله بضيائه، وكشفها بنوره وقال ابن كثير: إِذا جلا البسيطة وأضاء الكون بنوره ﴿والليل إِذَا يَغْشَاهَا﴾ أي وأقسمُ بالليل إِذا غطَّى الكون بظلامه، ولفَّه بشبحه، فالنهار يجلي المعمورة ويظهرها، والليل يغطيها ويسترها، قال الصاوي: وأتى بالفعل مضارعاً ﴿يَغْشَاهَا﴾ ولم يقل ﴿غشاها﴾ مراعاةً للفواصل ﴿والسمآء وَمَا بَنَاهَا﴾ أي وأقسم بالقادر العظيم الذي بنى السماء، وأحكم بناءها بلا عمد قال المفسرون: ﴿ما﴾ اسم موصول بمعنى «منْ» أي والسماء ومن بناها والمراد به الله رب العالمين، بدليل قوله بعده ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ كأنه قال: والقادر العظيم الشأن الذي بناها، فدلَّ بناؤها وإحكامها على وجوده، وكمال قدرته ﴿والأرض وَمَا طَحَاهَا﴾ أي وأُقسمُ بالأرض ومن بسطها من كل جانب، وجعلها ممتدة ممهَّدة، صالحة لسكنى الإِنسان والحيوان، وهذا لا ينافي كرويتها كما قال المفسرون، لأن الغرض من الآية الامتنان بجعل الأرض ممتدة واسعة، ميسَّرة للزراعة والفلاحة وسكنى الإِنسان ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾ أي وأقسمُ بالنفس البشرية وبالذي أنشأها وأبدعها، وجعلها مستعدة لكمالها، وذلك بتعديل أعضائها، وقواها الظاهرة والباطنة، ومن تمام تسويتها أن وهبها العقل الذي تميز به بين الخير والشر، والتقوى والفجور، ولهذا قال ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ أي وعرَّفها الفجور والتقوى وما تميز به بين رشدها وضلالها قال ابن عباس: بيَّن لها الخير والشر، والطاعة والمعصية، وعرَّفها ما تأتي وما تتقي قال المفسرون: أقسم سبحانه بسبعة أشياء «الشمس، والقرم، والليل، والنهار، والسماء، والأرض، والنفس البشرية» إِظهاراً لعظمة قدرته، وانفراده بالألوهية، وأشارةً إِلأى كثرة مصالح تلك الأشياء وعظم نفعها وأنها لا بد لها من صانع ومدبر لحركاتها وسكناتها وقال الإِمام الفخر: لما كانت الشمس أعظم المحسوسات، ذكرها تعالى مع أوصافها الأربعة الدالة على عظمها، ثم ذكر سبحانه ذاته