اللابس قال القرطبي: وتكويرُ الليل على النهار تغشيتُه أياه حتى يُذهب ضوءه، ويغشي النهار على الليل فيذهب ظلمته وهذا منقول عن قتادة وهو معنى قوله تعالى: يُغشي الليلَ النهار يطلبه حيثياً ﴿وَسَخَّرَ الشمس والقمر﴾ أي ذلَّلهما لمصالح العباد ﴿كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ أي كلٌ منهما يسير إلى مدة معلومة عند الله تعالى، ثم ينقضي يوم القيامة حين تكور الشمس وتنكدر النجوم ﴿أَلا هُوَ العزيز الغفار﴾ أي هو جل وعلا كامل القدرة لا يغلبه شيء، عظيم الرحمة والمغفرة والإِحسان قال الصاوي: صُدِّرت الجملة بحرف التنبيه «ألا» للدلالة على كمال الاعتناء بمضمونها كأنه قال: تنبهوا يا عبادي فإني أنا الغالب على أمري، والستَّار لذنوب خلقي فأخلصوا عبادتكم ولا تشركوا بي أحداً.
﴿خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ أي خلقكم أيها الناس من نفسٍ واحدة هي آدم، وهذا من جملة أدلة وحدانيته، وانفراده بالعزة والقره، وجمع صفات الألوهية ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ أي ثم خلق من آدم وحواء ليحصل التجانس والتناسل قال الطربي: المعنى: ﴿خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ يعني آدم (ثم خلق منها زوجها) يعني حواء خلقها من ضلعٍ من أضلاعه ﴿وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الأنعام ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ أي وأوجد لكم من الأنعام المأكولة وهي الإِبل، والبقر، والغنم، والمعز، ثمانية أزواج من كل نوعٍ ذكراً وأنثى قال قتادة: من الإِبل اثنين، ومن البقر اثنين، ومن الضأن اثنين، ومن المعز اثنين، كلُّ واحدٍ زوج، وسميت أزواجاً لأن الذكر زوج الأنثى، والأنثى زوج الذكر قال المفسرون: والإِنزالُ عبارةٌ عن نزول أمره وقضائه ﴿يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ﴾ أي يخلقكم في بطون أمهاتكم أطواراً، فإِن الإِنسان يكون نطفة، ثم علقة، ثم مضغة إلى أن يتم خلقه، ثم ينفخ فيه الروح فيصير خلقاً آخر ﴿فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ﴾ هي البطن، والرحم، والمشيمة، وهو الكيس الذي يغلفُ الجنين ﴿ذلكم الله رَبُّكُمْ﴾ أي ذلكم الخالق المبدع المصوّر هو الله ربُّ العالمين، ربكم وربُّ آبائكم الأولين ﴿لَهُ الملك﴾ أي له الملك والتصرف التام، في الإِيجاد والإِعدام ﴿لا إله إِلاَّ هُوَ﴾ أي لا معبود بحقٍ إلا الله ولا ربَّ لكم سواه ﴿فأنى تُصْرَفُونَ﴾ ؟ أي فيكف تنصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره؟ ثم بعد أن ذكَّرهم بآياته ونعمه، حذَّرهم من الكفر والجحود لفضله وإحسانه فقال ﴿إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنكُمْ﴾ أي إن تكفروا أيها الناس بعدما شاهدتم من آثار قدرته وفنون نعمائه، فإِن الله مستغنٍ عنكم وعن إيمانكم وشكركم وعبادتكم ﴿وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر﴾ أي لا يرضى الكفر لأحدٍ من البشر قال الرازي: أشار تعالى إلى أنه وإِن كان لا ينفعه إيمان، ولا يضره كفران، إلا أنه لا يرضى بالكفر بمعنى أنه لا يمدح صاحبه ولا يثيبه عليه وإن كان واقعاً بمشيئته وقضائه {