الكرم والإِحسان ﴿أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ ؟ الهمزة للتقرير أي أليس الله كافياً عبده ورسوله محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من شر من يريده بسوء؟ قال أبو السعود: تسليةٌ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عما قالت له قريش: لتكفنَّ عن شتم آلهتنا، أو ليصيبنَّك منها خبل أو جنون وقال أبو حيان: قالت قريش: لئن لم ينته محمد عن سبِّ آلهتنا وتعييبنا لنسلِّطنها عليه فتصيبه بخبَل وتعتريه بسوء، فأنزل الله ﴿أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ أي هو كافٍ عبده، وإضافته إليه تشريفٌ عظيمٌ لنبيّه ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بالذين مِن دُونِهِ﴾ أي ويخوفونك يا محمد بهذه الأوثان التي لا تضر ولا تنفع ﴿وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ أي ومن أشقاه الله وأضلَّه فلن يهديه أحدٌ كائناً من كان ﴿وَمَن يَهْدِ الله فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ﴾ أي ومن أراد الله سعادته فهداه إلى الحق، ووفقه لسلوك طريق المهتدين، فلن يقدر أحدٌ على إضلاله ﴿أَلَيْسَ الله بِعَزِيزٍ ذِي انتقام﴾ ؟ أي هو تعالى منيع الجناب لا يُضام من لجأ إلى بابه، وهو القادر على أن ينتقم من أعدائه لأوليائه، لأنه غالب لا يُغلب، ذو انتقام من أعدائه، وفي الآية وعيدٌ للمشركين، ووعدٌ للمؤمنين ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله﴾ هذه الآية إقامة برهان على تزييف طريقة عبدة الأوثان أي ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين عمَّن خلق السموات والأرضَ ليقولُنَّ اللهُ خالقهما، لوضوح الدليل على تفرده تعالى بالخالقية قال الرازي: إنَّ العلم بوجود الإِله القادر الحكيم، لا نزاع فيه بين جمهور الخلائق، وفطرة العقل شاهدةٌ بصحة هذا العالم، فإِنَّ من تأمل في عجائب أحوال السموات والأرض، وفي عجائب أحوال النبات والحيوان، وفي عجائب بدن الإِنسان وما فيه من أنواع الحِكَم الغريبة، والمصالح العجيبة، علم أنه لا بدَّ من الاعتراف بالإِله القادر الحيكم الرحيم، ولهذا أقر المشركون بوجود الله ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله﴾ أي قل لهم يا محمد توبيخاً وتبكيتاً: أخبروني بعد أن تحققتم أن خالق العالم هو الله عن هذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله ﴿إِنْ أَرَادَنِيَ الله بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ﴾ ؟ أخبروني لو أراد الله أن يصيبني بشدة أو بلاء، هل تستطيع هذه الأصنام أن تدفع عني ذلك السوء والضُّرَّ؟ ﴿أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ﴾ ؟ أي ولو أراد الله نفعاً من نعمة ورخاء هل تستطعي أن تمنع عني هذه الرحمة؟ والجواب محذوفٌ لدلالة الكلام عليه يعني فسيقولون: لا، لا تكشف السوء، ولا تمنع الرحمة ﴿قُلْ حَسْبِيَ الله عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ المتوكلون﴾ أي الله كافيني فلا ألتفت إلى غيره، عليه وحده يعتمد المعتمدون، والغرضُ الاحتجاجُ على المشركين في عبادة ما لا يضرُّ ولا ينفع، وإقامة البرهان على الوحدانية ﴿قُلْ ياقوم اعملوا على مَكَانَتِكُمْ﴾ أي اعملوا على طريقتكم من المكر والكيد والخداع ﴿إِنِّي عَامِلٌ﴾ أي إني عاملٌ على طريقتي، من الدعوة إلى الله وإظهار دينه ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ﴾ أي فسوف تعلمون لمن سيكون العذاب الذي يذل ويخزي الإِنسان ﴿وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ﴾ أي وينزل عليه عذاب دائمٌ لا ينقطع وهو عذاب النار، هل هذا العذاب سيصيبني


الصفحة التالية
Icon