تدعوننا إليه، ثم توعَّدُوا الرسل بقولهم ﴿لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ﴾ أي والله لئن لم تمتنعوا عن قولكم، ودعوتكم لنا إلى التوحيد، ورفض ديننا ﴿لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي لنرجمنَّكم بالحجارة حتى تموتوا، ولنقتلنَّكم شرَّ قِتلة ﴿قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ﴾ أي قالت الرسل لهم: ليس شؤمكم بسببنا، وإنما شؤمكم بسببكم، وبكفركم، وعصيانكم، وسوء أعمالكم ﴿أَئِن ذُكِّرْتُم﴾ ؟ شرطٌ جوابه محذوف لدلالة السياق عليه أي أئن ذكرناكم ووعظناكم ودعوناكم إلى توحيد الله، تشاءمتم بنا وتوعدتمونا بالرجم والتعذيب؟ ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ﴾ أي ليس الامر كما زعمتم بل أنتم قومٌ عادتكم الإِسرافُ في العصيان والإِجرام، وهو توبيخٌ لهم مع الزجر والتقريع ﴿وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى المدينة رَجُلٌ يسعى﴾ أي وجاء من أبعد أطراف المدينة رجل يعدو، يسرع في مشيه وهو «جبيب النجار» قال ابن كثير: إن أهل القرية همَّوا بقتل رسلهم، فجاءهم رجل من أقصى المدينة يسعى لينصرهم من قومه، وهو حبيب النجار كان يعمل الحرير وهو الحباك، وكان كثير الصدقة يتصدق بنصف كسبه وقال القرطبي: كان حبيب مجذوماً ومنزله عند أقصى أبواب المدينة، وكان يعكف على عبادة الأصنام سبعين سنة يدعوهم لعلهم يرحمونه ويكشفون ضُرَّه، فما استجابوا له، فلما أبصر الرسل ودعوه إلى الله قال: هل من آية؟ قالوا نعم نحن ندعو ربنا القادر فيفرج عنك ما بك! فقال إن هذا لعجيبٌ، إني إدعو هذه الآلهة سبعين سنة لتفرج عني فلم تستطع فكيف يفرجه ربكم في غداة واحدة؟ قالوا نعم ربنا على ما يشاء قدير، وهذه لا تنفع شيئاً ولا تضر، فآمن ودعوا ربهم فكشف الله ما به، فلمَّا همَّ قومه بقتل الرسل جاءهم مسرعاً وقال ما قصة القرآن ﴿قَالَ ياقوم اتبعوا المرسلين﴾ أي اتبعوا الرسل الكرام الداعين إلى توحيد الله، وإنما قال ﴿ياقوم﴾ تأليفاً لقلوبهم واستمالة لها لقبول النصيحة، ثم كرر القول تأكيداً وبياناً للسبب فقال ﴿اتبعوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ﴾ أي اتبعوا هؤلاء الرسل الصادقين المخلصين، الذين لا يسألونكم أُجرة على الإِيمان، وهم على هدى وبصيرة فيما يدعونكم إليه من توحيد الله ﴿وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الذي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ تلطفُ في الإرشاد لهم كأنه ينصح نفسه، ويختار لهم ما يختار لنفسه، ونفيه نوع تقريع على ترك عبادة خالقهم والمعنى أيُ شيء يمنعني من أن أعبد خالقي الذي أبدع خلقي؟ وإليه مرجعكم بعد الموت فيجازي كلاً بعمله؟ ﴿أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً﴾ استفهام إنكاري أي كيف أتخذ من دون الله آلهة لا تسمع ولا تنفع ولا تغني عن عابدها شيئاً؟ ﴿إِن يُرِدْنِ الرحمن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً﴾ أي هي في المهانة والحقارة بحيث لو أراد الله أن يُنزل بي شيئاً من الضر والأذى وشفعت لي لم تنفع شفاعتهم ولم يقدروا على إنقاذي، فكيف وهي أحجار لا تسمع ولا تنفع ولا تشفع؟ ﴿وَلاَ يُنقِذُونَ﴾ أي ولا يقدرون على إنقاذي من عذاب الله ﴿إني إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ أي إني إن عبدت غير الله واتخذت الأصنام آلهة لفي خسران ظاهر جلي.
. وبعد النصح التذكير أعلن إسلامه، م وأشهر إيمانه فقال ﴿إني آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فاسمعون﴾ أي إني آمنت بربكم الذي خلقكم، فاسمعوا قولي واعلموا بنصيحتي قال


الصفحة التالية
Icon