كلمة العذاب على هؤلاء المكذبين من قومك، كما وجبت لمن سبقهم من الكفار ﴿أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النار﴾ أي لأنهم أهل النار، قال القرطبي: أي كما حقَّ على الأمم التي كذبت رسلها وحلَّ بها عقابي، كذلك وجبت كلمة العذاب على الذين كفروا بالله من قومك لأنهم أصحاب النار.
ثم ذكر تعالى حال الملائكة الأطهار، والمؤمنين الأبرار، بعد أن ذكر الكفار والفجار فقال ﴿الذين يَحْمِلُونَ العرش وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ أي هؤلاء العباد المقربون حملةُ العرش ومن حول العرش من أشراف الملائكة وأكابرهم، ممن لا يُحصي عددهم إلا الله، هم في عبادة دائبة لله، ينزهونه عن صفات النقص، ويثنون عليه بصفات الكمال ﴿وَيُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ أي ويصدقون بوجوده تعالى، وبأنه لا إله لهم سواه، ولا يستكبرون عن عبادته قال الزمخشير: فإن قالت: ما فائدة قوله ﴿وَيُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ ولا يخفى أن حملة العرش وجميع الملائكة يؤمنون بالله؟ فالجواب أن ذلك إظهار لفضيلة الإِيمان وشرفه والترغيب فيه ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ﴾ أي موهم مع عباداتهم واستغراقهم في تسبيح الله وتمجيده، يطلبون من الله المغفرة للمؤمنين قائلين ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً﴾ أي يا ربنا وسعت رحمتُك وعلمك كل شيء قال المفسرون: وفي وصف الله تعالى بالرحمة والعلم وهو ثناءٌ قبل الدعاء تعليمُ العباد أدب السؤال والدعاء، فهم يبدأون دعاءهم بأدبٍ ويستمطرون إحسانه وفضله وإنعامه ﴿فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ واتبعوا سَبِيلَكَ﴾ أي فاصفح عن المسيئين المذنبين، التائبين عن الشرك والمعاصي، المتعبين لسبيل الحق الذي جاء به أنبياؤك ورسلك ﴿وَقِهِمْ عَذَابَ الجحيم﴾ أي واحفظهم من عذاب جهنم ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ﴾ أي أدخلهم جنات النعيم والإِقامة التي وعدتهم إياها ﴿وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ﴾ أي وأدخل الصالحين من الآباء والأزواج والأولاد في جنات النعيم أيضاً ليتم سرورهم بهم قال ابن كثير: أي جمع بينهم وبينهم لتقر بذلك أعينهم بالاجتماع في الجنة بمنازل متجاورة ﴿إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم﴾ أي العزيز الذي لا يُغلب ولا يمتنع عليه شيء، الحكيم الذي لا يفعل إلا ما فيه الحكمة والمصلحة ﴿وَقِهِمُ السيئات﴾ هذا من تمام ادعاء الملائكة أي أحفظم يا ربّ من فعل المنكرات والفواحش التي توبق أصحابها ﴿وَمَن تَقِ السيئات يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ﴾ أي ومن حفظته من نتائجها وعواقبها يوم القيامة، فقد لفطفت به ونجيته من العقوبة ﴿وَذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم﴾ أي وذلك الغفران ودخول الجنان، هو الظفر العظيم الذي لا ظفر مثله.. ولما تحدث عن أحوال المؤمنين، ذكر شيئاً من أحوال الكافرين فقال ﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ الله أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ﴾ أي تناديهم الملائكة يوم القيامة على جهة التوبيخ والتقريع: لبغض الله الشديد لكم في الدنيا أعظم من بغضكم اليوم لأنفسكم ﴿إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمان فَتَكْفُرُونَ﴾ إي حين كنتم تُدعون إلى الإِيمان فتكفرون كبراً وعتواً قال قتادة: بغضُ الله لأهل الضلالة حين عُرض عليهم الإِيمان في الدنيا فأبوا أن يقبلوه، أكبرُ مما مقتوا أنفسهم حين عاينوا عذاب الله ﴿قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين﴾ أي قال الكفار لما


الصفحة التالية
Icon