على أعمالهم، ويلتقي الخلق بالخالق في ساعة الحساب قال قتادة: يلتقي فيه أهل السماء بأهل الأرض، والخالق والخلق ﴿يَوْمَ هُم بَارِزُونَ﴾ أي يوم هم ظاهرون بادون للعيان، لا شيء يكنُّهم ولا يظلّهم ولا يسترهم من جبلٍ أو أكمةٍ أو بناء، لأنهم في أرض مستوية هي أرض المحشر ﴿لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَيْءٌ﴾ أي لا يخفى على الله شيء من أحواله وأعمالهم ولا من سرائرهم وبواطنهم قال الصاوي: والحكمة في تخصيص ذلك اليوم مع أن الله لا يخفى عليه شيء في سائر الأيام أنهم كانوا يتوهمون في الدنيا أنهم إذا استتروا بالحيطان مثلاً لا يراهم الله، وفي هذا اليوم لا يتوهمون هذا التوهم ﴿لِّمَنِ الملك اليوم﴾ ؟ أي ينادي الله سبحانه والناسُ بارزون في أرض المحشر: لمن المُلكُ اليوم؟ ويسكت الخلائق هيبةً لله تعالى وفزعاً، فيجيب تعالى نفسه قائلا ﴿لِلَّهِ الواحد القهار﴾ أي لله المتفرد بالملك، الذي قهر بالغلبة كل ما سواه قال الحسن: هو تعالى السائل والمجيب، لأنه يقول ذلك حين لا أحد يجيبه، فيجيب نفسه ﴿اليوم تجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ أي في ذلك اليوم يوم القضاء والفصل بين العباد تُجازى كل نفسٍ بما عملت من خيرٍ أو شر ﴿لاَ ظُلْمَ اليوم﴾ أي لا يُظلم أحد شيئاً، لا بنقص ثواب، ولا بزيادة عقاب ﴿إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب﴾ أي سريعٌ حسباه، لا يشغله شأنٌ عن شأن، فيحاسب الخلائق جميعاً في وقتٍ واحد قال القرطبي: كما يرزقهم في ساعةٍ واجدة، يحاسبهم كذلك في ساعةٍ واحدة، وفي الخبر:
«لا ينتصف النهارُ حتى يقيل أهل الجنة في الجنة، وأهلُ النار في النار» ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الأزفة﴾ أي خّوفهم ذلك اليوم الرهيب يوم القيامة قال ابن كثير: «الآزفة» اسم من أسماء القيامة، سميت بذلك لقربها كقوله تعالى ﴿أَزِفَتِ الآزفة﴾ [النجم: ٥٧] ﴿إِذِ القلوب لَدَى الحناجر﴾ أي تكاد قلوبهم لشدة الخوف والجزع تبلغ الحناجر وهي الحلوق مكان البلعوم ﴿كَاظِمِينَ﴾ أي ممتلئن غماً وحسرةً شأن المكروب قال في التسهيل: معنى الآية أن القلوب قد صعدت من الصدور لشدة الخوف حتى بلغت الحناجر، ويحتمل أن يكون ذلك حقيقةً أو مجازواً عبَّر به عن شدة الخوف والحنجرة هي الحلق ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ﴾ أي ليس للظالمين صديقٌ ينفعهم ﴿وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ أي ولا شفيع يشفع لهم لينقذهم من شدة العذاب ﴿يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأعين﴾ أي يعلم جلَّ وعلا العين الخائنة بمسارقتها النظر إلى محرم قال ابن عباس: هو الرجل يكون جالساً مع الناس، فتمرُّ المرأة فيسارقهم النظر إليها ﴿وَمَا تُخْفِي الصدور﴾ أي ويعلم السرَّ المستور تخفيه الصدور ﴿والله يَقْضِي بالحق﴾ أي يقضي ويحكم بالعدل ﴿والذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ﴾ أي والذين يعبدونهم من دون الله من الأوثان والأصنام ﴿لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾ أي لا حكم لهم أصلاً فيكف يكونون شركاء لله؟ قال أبو السعود: وهذا تهكمٌ بهم