يعجز عن خلق ما هو أحقر وأهون؟ قال في التسهيل: والغرض الاستدلال على البعث، لأن الإِله الذي خلقَ السمواتِ والأرض على كبرها، قادرٌ على إعادة الأجسام بعد فنائها ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي ولكنَّ أكثر الناس لا يعملون ذلك، لأنهم لا يتأملون لغلبة الجهل عليهم، وفرط غفلتهم واتباعهم لأهوائهم ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأعمى والبصير﴾ أي لا يتساوى المؤمن والكافر ﴿والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَلاَ المسياء﴾ أي ولا البرُّ والفاجر ﴿قَلِيلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ﴾ أي لا تتعظون بهذه الأمثال إلا قليلاً قال ابن كثير: والمراد أنه كما لا يستوي الأعمى الذي لا يبصر شيئاً، والبصير الذي يرى ما انتهى إليه بصره، كذلك لا يستوي المؤمنون الأبرار، والكفرة الفجار، ما أقلَ ما يتذكر كثيرٌ من الناس؟ ﴿إِنَّ الساعة لآتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا﴾ أي إن القيامة آتيةٌ لا محالة، لا شك في ذلك ولا مرية ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ أي ولكنَّ أكثر الناس لا يصدقون بمجيئها، ولذلك ينكرون البعث والجزاء قال الرازي: والمراد بأكثر الناس الكفار الذين ينكرون البعث والقيامة ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ أي ادعوني أجبْكم فيما طلبتم، وأعطم ما سألتم قال ابن كثير: ندب تعالى عباده إلى دعائه، وتكفَّل لهم بالإِجابة فضلاً منه وكرماً ﴿إِنَّ الذين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ أي إنَّ الذين يتكبرون عن دعاء الله سيدخلون جهنم أذلاء صاغرين.
. ثم ذكر تعالى من آثار قدرته ووحدانيته، ما يلزم منه أفراده بالعبادة والشكر فقال ﴿الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الليل لِتَسْكُنُواْ فِيهِ والنهار مُبْصِراً﴾ أي الله جل وعلا بقدرته وحكمته هو الذي جعل لكم الليل مظلماً لتستريحوا فيه من تعب وعناء العمل بالنهار، وجعل النهار مضيئاً لتتصرفوا فيه بأسباب الرزق وطلب المعاش ﴿إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس﴾ إي إنه تعالى متفضل على العباد، وهو صاحب الجود والإِحسان إليهم ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ﴾ أي ولكنَّ أكثر الناس لا يشكرون الله على إحسانه، ويجحدون فضله وإِنعامه ﴿ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ أي ذلكم المتفرد بالخلق والإِنعام هو الله ربكم، خالق كل الأشياء ﴿لاَّ إله إِلاَّ هُوَ﴾ أي لا معبود في الوجود سواه ﴿فأنى تُؤْفَكُونَ﴾ أي فكيف تصرفون عن عبادة الخالق المالك إلى عبادة الأوثان؟ ﴿كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الذين كَانُواْ بِآيَاتِ الله يَجْحَدُونَ﴾ أي كذلك يُصرف عن الهدى والحق الذين جحدوا بآيات الله وأنكروها قال الصاوي: وهذه تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمعنى لا تحزن يا محمد على إِنكار قومك فإن من قبلهم فعل ذلك، ثم زاد في البيان ودلائل القدرة فقال ﴿الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض قَرَاراً﴾ أي جعلها مستقراً لكم في حياتكم وبعد مماتكم قال ابن عباس: جعلها منزلاً لكم في حال الحياة وبعد الموت ﴿والسمآء بِنَآءً﴾ أي وجعل السماء سقفاً محفوظاً، كالقبة المبنية مرفوعة فوقكم ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ أي صوَّركم أحسن تصوير، وخلقكم في أحسن الأشكال، متناسي الأعضاء، ولم يجعلكم كالبهائم منكوسين تمشون