وَقَدْ نَقَلُوا عَنِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ سَيَأْتِي بَعْدَهُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ
وَيُعْطَوْنَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ حَتَّى يَضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا (مَتَّى ٢٤: ٢٤) وَقَدْ ذَكَرَ فِي قَامُوسِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ عَدَدًا كَثِيرًا مِنْهُمْ وَأَسْمَاءَ بَعْضِهِمْ. وَأَقُولُ: إِنَّ مِنْهُمُ الْقَادْيَانِيُّ الَّذِي ظَهَرَ مِنْ مُسْلِمِي الْهِنْدِ، وَتَذْكُرُ صُحُفُ الْأَخْبَارِ ظُهُورَ هِنْدِيٍّ آخَرَ يُرِيدُ إِظْهَارَ عَجَائِبِهِ فِي أَمْرِيكَا فِي هَذَا الْعَامِ وَنَقَلُوا عَنِ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَالَ: ((الْحَقُّ أَقُولُ لَكُمْ لَيْسَ كُلُّ نَبِيٍّ مَقْبُولًا فِي وَطَنِهِ)) وَجَعَلَ الْقَاعِدَةَ لِمَعْرِفَةِ النَّبِيِّ الصَّادِقِ تَأْثِيرَ هِدَايَتِهِ فِي النَّاسِ لَا الْآيَاتِ وَالْعَجَائِبَ فَقَالَ: ((مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ)) وَلَمْ يَظْهَرْ بَعْدَهُ - وَلَا قَبْلَهُ - نَبِيٌّ كَانَتْ ثِمَارُهُ الطَّيِّبَةُ فِي هِدَايَةِ الْبَشَرِ كَثِمَارِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَحَدَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي إِنْجِيلِ يُوحَنَّا (١٦: ١٢ إِنَّ لِي أُمُورًا كَثِيرَةً أَيْضًا وَلَكِنْ لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا الْآنَ، وَأَمَّا مَتَّى جَاءَ ذَلِكَ (أَيِ الْبَارْقَلِيطُ رُوحُ الْحَقِّ فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ) إِلَخْ وَمَا جَاءَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ أَرْشَدَ النَّاسَ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ فِي الدِّينِ مِنْ تَوْحِيدٍ وَتَشْرِيعٍ وَحِكْمَةٍ وَتَأْدِيبٍ غَيْرَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ.
وَمَنِ اسْتَقْرَأَ تَوَارِيخَ الْأُمَمِ عَلِمَ أَنَّ أَهْلَ الْمِلَلِ الْوَثَنِيَّةِ أَكْثَرُ اعْتِمَادًا عَلَى الْعَجَائِبِ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ السَّمَاوِيَّةِ، وَرَأَى الْجَمِيعَ يَنْقُلُونَ مِنْهَا عَنْ مُعْتَقِدِيهِمْ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ وَالْقِدِّيسِينَ أَكْثَرَ مِمَّا نَقَلُوا عَنِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُرْسَلِينَ، وَأَنَّ أَكْثَرَ الْمُصَدِّقِينَ بِهَا مِنَ الْخُرَافِيِّينَ.
ثُبُوتُ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ بِنَفْسِهَا وَإِثْبَاتِهَا لِغَيْرِهَا:
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ ثَبَتَتْ بِنَفْسِهَا، أَيْ بِالْبُرْهَانِ الْعِلْمِيِّ وَالْعَقْلِيِّ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ لَا بِالْآيَاتِ وَالْعَجَائِبِ الْكَوْنِيَّةِ، وَأَنَّ هَذَا الْبُرْهَانَ قَائِمٌ مَاثِلٌ لِلْعُقُولِ وَالْحَوَاسِّ فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِثْبَاتُ آيَاتِ النَّبِيِّينَ السَّابِقِينَ إِلَّا بِثُبُوتِ نُبُوَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي جَاءَ بِهِ، فَالْحُجَّةُ الْوَحِيدَةُ عَلَيْهَا فِي هَذَا الطَّوْرِ الْعِلْمِيِّ الِاسْتِقْلَالِيِّ مِنْ أَطْوَارِ النَّوْعِ الْبَشَرِيِّ هُوَ شَهَادَتُهُ لَهَا. فَإِنَّ الْكُتُبَ الَّتِي نَقَلَتْهَا لَا يُمْكِنُ إِثْبَاتُ عَزْوِهَا إِلَى مَنْ عُزِيَتْ إِلَيْهِمْ ; إِذْ لَا يُوجَدُ نُسَخٌ مِنْهَا مَنْقُولَةٌ عَنْهُمْ بِاللُّغَاتِ الَّتِي كَتَبُوهَا بِهَا لَا تَوَاتُرًا وَلَا آحَادًا، وَلَا يُمْكِنُ إِثْبَاتُ عِصْمَتِهِمْ مِنَ الْخَطَأِ فِيمَا كَتَبُوهُ عَلَى اخْتِلَافِهِ وَتَنَاقُضِهِ وَتَعَارُضِهِ، وَلَا إِثْبَاتُ صِحَّةِ التَّرَاجِمِ الَّتِي نُقِلَتْ بِهَا، كَمَا قُلْنَا آنِفًا وَبَيَّنَّاهُ بِالتَّفْصِيلِ مِرَارًا.
الْكِتَابُ الْإِلَهِيُّ الْوَحِيدُ الَّذِي نُقِلَ بِنَصِّهِ الْحَرْفِيِّ تَوَاتُرًا عَمَّنْ جَاءَ بِهِ بِطَرِيقَتَيِ
الْحِفْظِ وَالْكِتَابَةِ مَعًا هُوَ الْقُرْآنُ، وَالنَّبِيُّ الْوَحِيدُ الَّذِي نُقِلَ تَارِيخُهُ بِالرِّوَايَاتِ الْمُتَّصِلَةِ الْأَسَانِيدِ حِفْظًا وَكِنَايَةً هُوَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالدِّينُ الْوَحِيدُ الَّذِي يُمْكِنُ لِلْعُلَمَاءِ الْمُسْتَقِلِّينَ فِي الْفَهْمِ وَالرَّأْيِ أَنْ يَعْقِلُوهُ وَيَبْنُوا عَلَيْهِ حُكْمَهُمْ هُوَ الْإِسْلَامُ. وَأَمَّا خُلَاصَةُ مَا يُمْكِنُ الِاعْتِرَافُ بِهِ مِنَ الْأَدْيَانِ السَّابِقَةِ لِثُبُوتِ قَضَايَاهُ الْإِجْمَالِيَّةِ بِالتَّوَاتُرِ الْمَعْنَوِيِّ، فَهُوَ أَنَّهُ وُجِدَ فِي جَمِيعِ أُمَمِ الْحَضَارَةِ الْقَدِيمَةِ


الصفحة التالية
Icon