آيَةُ اللهِ الْكُبْرَى - الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ
(الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ، الْقُرْآنُ الْحَكِيمُ، الْقُرْآنُ الْمَجِيدُ، الْكِتَابُ الْعَزِيزُ)
الَّذِي: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)
هُوَ كِتَابٌ لَا كَالْكُتُبِ، هُوَ آيَةٌ لَا كَالْآيَاتِ، هُوَ مُعْجِزَةٌ لَا كَالْمُعْجِزَاتِ، هُوَ نُورٌ لَا كَالْأَنْوَارِ، وَهُوَ سِرٌّ لَا كَالْأَسْرَارِ، هُوَ كَلَامٌ لَا كَالْكَلَامِ، هُوَ كَلَامُ اللهِ الْحَيِّ الْقَيُّومِ الَّذِي لَيْسَ لِرُوحِ الْقُدُسِ جِبْرِيلَ الْأَمِينِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْهُ إِلَّا نَقْلُهُ بِلَفْظِهِ الْعَرَبِيِّ مِنْ سَمَاءِ الْأُفُقِ الْأَعْلَى إِلَى هَذِهِ الْأَرْضِ، وَلَا لِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ - مِنْهُ إِلَّا تَبْلِيغُهُ لِلنَّاسِ لِيَهْتَدُوا بِهِ، فَهُوَ مُعْجِزَةٌ لِلْخَلْقِ بِلَفْظِهِ وَنَظْمِهِ وَأُسْلُوبِهِ وَعُلُومِهِ وَهِدَايَتِهِ، لَمْ يَكُنْ فِي اسْتِطَاعَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْتِيَ بِسُورَةٍ مِنْ سُورِهِ بِكَسْبِهِ وَمَعَارِفِهِ، وَفَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ عَالِمًا وَلَا بَلِيغًا مُمْتَازًا إِلَّا بِهِ، بَلْ فِيهِ آيَاتٌ صَرِيحَةٌ فِي مُعَاتَبَتِهِ عَلَى بَعْضِ اجْتِهَادِهِ كَفِدَاءِ أَسْرَى بَدْرٍ (رَاجِعْ ص ٧٢ و٨٢ و٤٠١ و٤٠٩ ج ١٠ ط الْهَيْئَةِ).
وَقَدْ بَيَّنْتُ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ التَّحَدِّي بِالْقُرْآنِ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ (٢: ٢٣) أَهَمَّ وُجُوهِ الْإِعْجَازِ اللَّفْظِيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ بِالْإِجْمَالِ وَالْإِيجَازِ، وَأَعُودُ هُنَا إِلَى الْكَلَامِ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ الْمُصْلِحَةِ لِلْبَشَرِ بِمَا يَحْتَمِلُهُ الْمَقَامُ مِنَ الْبَسْطِ وَالتَّفْصِيلِ، وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ هَذِهِ الْعُلُومَ أَعْلَى مِنْ كُلِّ مَا حَفِظَهُ التَّارِيخُ عَنْ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْحُكَمَاءِ، وَوَاضِعِي الشَّرَائِعِ وَالْقَوَانِينِ، وَسَاسَةِ الشُّعُوبِ وَالْأُمَمِ.
فَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِأَنَّ لِلْعَالَمِ رَبًّا عَلِيمًا حَكِيمًا رَحِيمًا مُرِيدًا فَاعِلًا مُخْتَارًا فَلَا مَنْدُوحَةَ لَهُ وَلَا مَنَاصَ مِنَ الْإِيمَانِ بِأَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ وَحْيٌ مِنْ لَدُنْهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَهُ عَلَى خَاتَمِ أَنْبِيَائِهِ الْمُرْسَلِينَ رَحْمَةً بِهِمْ لِيَهْتَدُوا بِهِ إِلَى تَكْمِيلِ فِطْرَتِهِمْ، وَتَزْكِيَةِ أَنْفُسِهِمْ، وَإِصْلَاحِ مُجْتَمَعِهِمْ مِنَ الْمَفَاسِدِ الَّتِي كَانَتْ عَامَّةً لِجَمِيعِ أُمَمِهِمْ، فَيَكُونُ اتِّبَاعُ مُحَمَّدٍ فَرْضًا إِلَهِيًّا لَازِبًا عَامًّا كَمَا قَالَ تَعَالَى: (قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ
جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (٧: ١٥٨).
وَمَنْ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِوُجُودِ هَذَا الرَّبِّ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ فَلَا مَنْدُوحَةَ لَهُ عَنِ الْجَزْمِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا أَكْمَلُ وَأَفْضَلُ وَأَعْلَمُ وَأَحْكَمُ مِنْ كُلِّ مَنْ عُرِفَ فِي هَذَا الْعَالَمِ مِنَ الْحُكَمَاءِ الْهَادِينَ الْمَهْدِيِّينَ،


الصفحة التالية
Icon