حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِهِمَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ وَقَدْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلِبَعْضِهِمْ مَقَالٌ فِي بَعْضِ رِجَالِهِ. وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ " أَنَّ رَجُلَيْنِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلَانِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَلَّبَ فِيهِمَا الْبَصَرَ وَرَآهُمَا جَلْدَيْنِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ " قَالَ أَحْمَدُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: هُوَ أَجْوَدُهَا إِسْنَادًا، قَالَهُ فِي الْمُنْتَقَى. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَجْوَدَهُ مِنْ حَدِيثٍ. وَالْمِرَّةُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ - بِكَسْرِ الْمِيمِ - الْقُوَّةُ وَالسَّوِيُّ الْخَلْقِ: السَّلِيمُ الْأَعْضَاءِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَادِرُ عَلَى الْكَسْبِ. وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ سَهْلِ ابْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ: مَا يُغَدِّيهِ أَوْ يُعَشِّيهِ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ وَقَدِ احْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَرَوَى أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لِأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَتَصَدَّقَ مِنْهُ وَيَسْتَغْنِيَ بِهِ عَنِ النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلًا أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ وَرَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا: مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا، فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَشْهُودُ: لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ فَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَالرِّوَايَاتُ عَنْهُ كُلُّهَا مَرَاسِيلُ، وَفِي إِسْنَادِ الْحَدِيثِ لِيَعْلَى بْنِ أَبِي يَحْيَى، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ مَجْهُولٌ، وَقَدْ حَمَلُوهُ عَلَى تَحْسِينِ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ إِلَّا لِحَاجَةٍ تُبِيحُ لَهُ السُّؤَالَ الْمُحَرَّمَ. قَالَ فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ: فِيهِ، أَيِ الْحَدِيثِ الْآمِرِ بِحُسْنِ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ الَّذِي امْتَهَنَ نَفْسَهُ بِذُلِّ السُّؤَالِ فَلَا يُقَابِلُهُ بِسُوءِ الظَّنِّ وَاحْتِقَارِهِ، بَلْ يُكْرِمُهُ بِإِظْهَارِ السُّرُورِ لَهُ، وَيُقَدِّرُ أَنَّ الْفَرَسَ الَّتِي تَحْتَهُ عَارِيَةٌ، أَوْ أَنَّهُ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ أَخَذُ الزكاة مع الغنى كمن تحمل حمالة أو غرم غرما لإصلاح البين، وما قالوه في الحديث يقال في تفسير السائلين في الآية ١٧٧ من هذه السورة، وتفسير (٥١: ١٩ وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) وآية (٧٠: ٢٤ والذين في أموالهم حق
معلوم ٢٥ للسائل والمحروم)
أي إن السائل المؤمن يحمل على الصدق في أنه لم يسأل إلا لحاجة تبيح له السؤال الْمُحَرَّمِ، كَتَحَمُّلٍ غُرْمٍ أَوْ دِيَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ عَارِضَةٍ فَمَا كَلُّ سَائِلٍ لِفَقْرِهِ هُوَ، فَالْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - كَانَ يَسْأَلُ بَعْضَ أَصْدِقَائِهِ الْمُوسِرِينَ، أَيْ يَطْلُبُ مِنْهُمُ الْمَالَ لِلْجَمْعِيَّةِ الْخَيْرِيَّةِ وَلِغَيْرِهَا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ، وَمَا كُلُّ مَنْ يَسْأَلُ تَكَثُّرًا وَيَجْعَلُ السُّؤَالُ حِرْفَةً، وَالْأَصْلُ فِي الْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ عَزِيزَ النَّفْسِ مُتَنَزِّهًا عَنِ الْحَرَامِ فَلَا يَسْأَلُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ تُبِيحُ لَهُ السُّؤَالَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ الْغَنِيُّ قَدْرًا مُعَيَّنًا مِنْ مَالِهِ الَّذِي يُعِدُّهُ لِلصَّدَقَاتِ لِمَا يَعْرِضُ مِنْ أَمْثَالِ هَذِهِ الْحَاجَاتِ أَوِ الضَّرُورَاتِ، وَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْأَلُ لِنَفْسِهِ تَكَثُّرًا كَالشَّحَّاذِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا السُّؤَالَ حِرْفَةً


الصفحة التالية
Icon