خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فِي الْيَتَامَى، فَكَذَلِكَ فَخَافُوا فِي النِّسَاءِ أَلَّا تَعْدِلُوا فِيهِنَّ، وَلَا تَنْكِحُوا مِنْهُنَّ إِلَّا مِنْ وَاحِدَةٍ إِلَى الْأَرْبَعِ، وَلَا تَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ. وَإِنْ خِفْتُمْ أَيْضًا أَلَّا تَعْدِلُوا فِي الزِّيَادَةِ عَنِ الْوَاحِدَةِ فَلَا تَنْكِحُوا إِلَّا مَا لَا تَخَافُونَ أَنْ تَجُورُوا فِيهِنَّ مِنْ وَاحِدَةٍ، أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ. ثُمَّ أَوْرَدَ ابْنُ جَرِيرٍ الرِّوَايَاتِ الَّتِي تُؤَيِّدُ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالسُّدِّيِّ، وَقَتَادَةَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْآيَةِ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَنْكِحُونَ عَشْرًا مِنَ النِّسَاءِ الْأَيَامَى، وَكَانُوا يُعَظِّمُونَ شَأْنَ الْيَتِيمِ، فَتَفَقَّدُوا مِنْ دِينِهِمْ شَأْنَ الْيَتِيمِ، وَتَرَكُوا مَا كَانُوا يَنْكِحُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ (أَيْ لَمْ يَتَفَقَّدُوهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَيَتَأَثَّمُوا مِمَّا فِيهِ مِنْ ظُلْمِ النِّسَاءِ) فَقَالَ: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ وَنَهَاهُمْ عَمَّا كَانُوا يَنْكِحُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ الضَّحَّاكِ، وَفِيهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْكِحُونَ عَشْرًا مِنَ النِّسَاءِ، وَنِسَاءَ آبَائِهِمْ، وَأَنَّهُ وَعَظَهُمْ فِي الْيَتَامَى، وَفِي النِّسَاءِ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ أَيْضًا عَنِ الرَّبِيعِ، وَمُجَاهِدٍ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (ابْنُ جَرِيرٍ) : وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي ذَلِكَ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: تَأْوِيلُهَا وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَكَذَلِكَ فَخَافُوا فِي النِّسَاءِ فَلَا تَنْكِحُوا مِنْهُنَّ إِلَّا مَا لَا تَخَافُونَ أَنْ تَجُورُوا فِيهِ مِنْهُنَّ مِنْ وَاحِدَةٍ إِلَى الْأَرْبَعِ، فَإِنْ خِفْتُمُ الْجَوْرَ فِي الْوَاحِدَةِ أَيْضًا فَلَا تَنْكِحُوهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَلَّا تَجُورُوا عَلَيْهِنَّ.
قَالَ: وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ لِأَنَّ اللهَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - افْتَتَحَ الْآيَةَ الَّتِي قَبْلَهَا بِالنَّهْيِ عَنْ أَكْلِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى بِغَيْرِ حَقِّهَا، وَخَلَطَهَا بِغَيْرِهَا مِنَ الْأَمْوَالِ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ الْآيَةَ. ثُمَّ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ إِنِ اتَّقَوُا اللهَ فِي ذَلِكَ فَتَحَرَّجُوا فِيهِ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ اتِّقَاءِ اللهِ، وَالتَّحَرُّجِ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ مِثْلُ الَّذِي
عَلَيْهِمْ ظَنُّ التَّحَرُّجِ فِي أَمْرِ الْيَتَامَى، وَأَعْلَمَهُمْ كَيْفَ التَّخَلُّصُ لَهُمْ مِنَ الْجَوْرِ فِيهِنَّ كَمَا عَرَّفَهُمُ الْمُخَلِّصَ مِنَ الْجَوْرِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى، فَقَالَ: انْكِحُوا إِنْ أَمِنْتُمُ الْجَوْرَ فِي النِّسَاءِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَا أَبَحْتُ لَكُمْ مِنْهُنَّ، وَحَلَّلْتُهُ، مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ إلخ. مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ آنِفًا، ثُمَّ قَالَ:
فَفِي الْكَلَامِ إِذَا كَانَ الْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا مَتْرُوكٌ اسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنَ الْكَلَامِ عَنْ ذِكْرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى فَتَعْدِلُوا فِيهَا، فَكَذَلِكَ فَخَافُوا أَلَّا تُقْسِطُوا فِي حُقُوقِ النِّسَاءِ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللهُ عَلَيْكُمْ فَلَا تَتَزَوَّجُوا مِنْهُنَّ إِلَّا مَا أَمِنْتُمْ مَعَهُ الْجَوْرَ إلخ.
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى هُوَ قَوْلُهُ: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مَعَ ضَمِيمَةِ قَوْلِهِ: ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعْدِلُوا فَإِنَّ هَذَا أَفْهَمُ أَنَّ اللَّازِمَ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ هُوَ الْعَدْلُ وَالْإِقْسَاطُ فِي النِّسَاءِ، وَالتَّحْذِيرُ


الصفحة التالية
Icon