يَعْمِدُونَ إِلَى قِدَاحٍ ثَلَاثَةٍ، عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا مَكْتُوبٌ " اؤْمُرْنِي " وَعَلَى الْآخَرِ " انْهَنِي " وَيَتْرُكُونَ الْآخَرَ مُحَلِّلًا بَيْنَهُمَا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُجِيلُونَهَا فَإِنْ خَرَجَ الَّذِي عَلَيْهِ " اؤْمُرْنِي " مَضَوْا لِأَمْرِهِمْ، وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي عَلَيْهِ " انْهَنِي " كَفُّوا، وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَعَادُوهَا. وَرُوِيَ عَنْ آخَرِينَ فِي الْكِتَابَةِ كَلِمَاتٌ أُخْرَى بِمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا، وَعَنِ السُّدِّيِّ أَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ عِنْدَ الْكُهَّانِ ; فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُسَافِرَ أَوْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يُحْدِثَ أَمْرًا أَتَى الْكَاهِنَ فَأَعْطَاهُ شَيْئًا فَضَرَبَ لَهُ بِهَا، فَإِنْ خَرَجَ شَيْءٌ يُعْجِبُهُ مِنْهَا أَمَرَهُ فَفَعَلَ، وَإِنْ خَرَجَ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ نَهَاهُ فَانْتَهَى، كَمَا ضَرَبَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عَلَى زَمْزَمَ، وَعَلَى عَبْدِ اللهِ وَالْإِبِلِ.
وَعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: كَانَتْ هُبَلُ أَعْظَمَ أَصْنَامِ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ، وَكَانَتْ فِي بِئْرٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَتْ تِلْكَ الْبِئْرُ الَّتِي يُجْمَعُ فِيهَا مَا يُهْدَى لِلْكَعْبَةِ، وَكَانَتْ عِنْدَ هُبَلَ سَبْعَةُ أَقْدَاحٍ كُلُّ قَدَحٍ مِنْهَا فِيهِ كِتَابٌ، أَيْ: (كِتَابَةُ شَيْءٍ) وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: قَدَحٌ فِيهِ الْعَقْلَ (أَيْ دِيَةُ الْقَتِيلِ) إِذَا اخْتَلَفُوا فِي الْعَقْلِ مَنْ يَحْمِلُهُ مِنْهُمْ؟ ضَرَبُوا بِالْقِدَاحِ السَّبْعَةِ، وَقَدَحٌ فِيهِ " نَعَمْ " لِلْأَمْرِ إِذَا أَرَادُوهُ، يَضْرِبُ بِهِ (أَيْ: يُجَالُ فِي سَائِرِ الْقِدَاحِ) فَإِنْ خَرَجَ قَدَحُ " نَعَمْ " عَمِلُوا بِهِ، أَوْ قَدَحٌ فِيهِ " لَا " فَإِذَا أَرَادُوا أَمْرًا ضَرَبُوا فِي الْقِدَاحِ، فَإِنْ خَرَجَ ذَلِكَ الْقَدَحُ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ الْأَمْرَ، وَقَدَحٌ فِيهِ " مِنْكُمْ " وَقَدَحٌ فِيهِ " مُلْصَقٌ " وَقَدَحٌ فِيهِ " مِنْ غَيْرِكُمْ " وَقَدَحٌ فِيهِ الْمِيَاهُ ; إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا لِلْمَاءِ ضَرَبُوا بِالْقِدَاحِ وَفِيهَا تِلْكَ الْقَدَّاحُ، فَحَيْثُ مَا خَرَجَ عَمِلُوا بِهِ. وَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَخْتِنُوا غُلَامًا، أَوْ أَنْ يَنْكِحُوا مَنْكَحًا، أَوْ أَنْ يَدْفِنُوا مَيِّتًا، أَوْ يَشُكُّوا فِي نَسَبِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ذَهَبُوا إِلَى هُبَلَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبِجَزُورٍ - بَعِيرٍ يُجْزَرُ - فَأَعْطَاهَا صَاحِبَ الْقِدَاحِ الَّذِي يَضْرِبُهَا، ثُمَّ قَرَّبُوا صَاحِبَهُمُ الَّذِي يُرِيدُونَ بِهِ مَا يُرِيدُونَ، ثُمَّ قَالُوا: يَا إِلَهَنَا، هَذَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ قَدْ أَرَدْنَا بِهِ كَذَا وَكَذَا، فَأَخْرِجِ الْحَقَّ فِيهِ، ثُمَّ يَقُولُونَ لِصَاحِبِ الْقِدَاحِ: اضْرِبْ. فَيَضْرِبُ فَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ " مِنْ غَيْرِكُمْ " كَانَ حَلِيفًا، وَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ " مُلْصَقٌ " كَانَ عَلَى مِيرَاثِهِ مِنْهُمْ، لَا نَسَبَ لَهُ وَلَا حِلْفَ، وَإِنْ خَرَجَ فِيهِ سِوَى هَذَا مِمَّا يَعْمَلُونَ بِهِ: " نَعَمْ " عَمِلُوا بِهِ، وَإِنْ خَرَجَ " لَا " أَخَّرُوهُ عَامَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يَأْتُوا بِهِ مَرَّةُ أُخْرَى، يَنْتَهُونَ فِي أُمُورِهِمْ إِلَى ذَلِكَ مِمَّا خَرَجَتْ بِهِ الْقَدَّاحُ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ مِنِ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ كَانَ يَكُونُ عِنْدَ بَعْضِ الْكَهَنَةِ أَزْلَامٌ غَيْرُ السَّبْعَةِ الَّتِي عِنْدَ هُبَلَ، الَّتِي يَفْصِلُ فِيهَا فِي كُلِّ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَعَرَّفُونَ قِسْمَتَهُمْ وَحَظَّهُمْ، أَوْ يُرَجِّحُونَ مَطَالِبَهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ اللَّعِبِ الَّذِي يَسْكُنُ بِهِ اضْطِرَابُ نُفُوسِ أَصْحَابِ الْأَوْهَامِ، وَفَسَّرَ مُجَاهِدٌ الْأَزْلَامَ: بِكِعَابِ فَارِسَ وَالرُّومِ الَّتِي يَقْمُرُونَ بِهَا، وَسِهَامَ الْعَرَبِ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْأَزْلَامُ كَانَتْ لِقُرَيْشٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا: أَمْرٌ وَنَهْيٌ، وَافْعَلْ وَلَا تَفْعَلْ، وَقَدْ زُلِمَتْ وَسُوِّيَتْ وَوُضِعَتْ فِي الْكَعْبَةِ يَقُومُ بِهَا سَدَنَةُ الْبَيْتِ، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدٌ سَفَرًا


الصفحة التالية
Icon