أَوْ نِكَاحًا أَتَى السَّادِنَ وَقَالَ: أَخْرِجْ لِي زُلَمًا، فَيُخْرِجُهُ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِ. إِلَخْ. قَالَ: وَرُبَّمَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ زُلَمَانِ وَضَعَهُمَا فِي قِرَابِهِ، فَإِذَا أَرَادَ الِاسْتِقْسَامَ أَخْرَجَ أَحَدَهُمَا. اهـ. وَهَذَا مَحِلُّ الشَّاهِدِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْأَزْلَامَ قِدَاحُ الْمَيْسِرِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا النَّرْدُ وَالشَّطْرَنْجُ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ بَيَّنَّا سِهَامَ الْمَيْسِرِ فِي تَفْسِيرِ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ (٢: ٢١٩) وَهِيَ عَشَرَةٌ، لَهَا أَسْمَاءٌ لِسَبْعَةٍ، مِنْهَا أَنْصِبَةٌ مُتَفَاوِتَةٌ، فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ شَاءَ (ص ٢٥٨ ج٢ ط الْهَيْئَةِ الْمِصْرِيَّةِ الْعَامَّةِ لِلْكِتَابِ) وَاللَّعِبُ بِالنَّرْدِ وَنَحْوِهِ لَيْسَ اسْتِقْسَامًا، وَقَدْ يُسْتَقْسَمُ بِهِ.
أَمَّا سَبَبُ تَحْرِيمِ الِاسْتِقْسَامِ فَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ مَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْأَصْنَامِ، وَيَرُدُّهُ أَنَّ التَّحْرِيمَ عَامٌّ يَشْمَلُ مَا كَانَ عِنْدَ الْأَصْنَامِ وَمَا لَمْ يَكُنْ ; كَالزُّلَمَيْنِ اللَّذَيْنِ يَحْمِلُهُمَا الرَّجُلُ مَعَهُ فِي رَحْلِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ طَلَبٌ لِعِلْمِ الْغَيْبِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللهُ بِهِ، وَيَرُدُّهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَطْلُبُ بِهَا عِلْمَ الْغَيْبِ فِي مِثْلِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، عَلَى أَنَّ جَعْلَ هَذَا مُحَرَّمًا وَعِلَّةً لِلتَّحْرِيمِ، غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِرَدِّهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ فِيهَا افْتِرَاءً عَلَى اللهِ إِنْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ " أَمَرَنِي رَبِّي " اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَجَهْلًا وَشِرْكًا إِنْ أَرَادُوا بِهِ الصَّنَمَ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ بَعْضِ الْأَزْلَامِ لَا عَنْ كُلِّهَا.
وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذَا قَدْ حُرِّمَ لِأَنَّهُ مِنَ الْخُرَافَاتِ وَالْأَوْهَامِ الَّتِي لَا يَرْكَنُ إِلَيْهَا إِلَّا مَنْ كَانَ ضَعِيفَ الْعَقْلِ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا بَصِيرَةٍ، وَيَتْرُكُ مَا يَتْرُكُ عَنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا بَصِيرَةٍ، وَيَجْعَلُ نَفْسَهُ أُلْعُوبَةً لِلْكَهَنَةِ وَالسَّدَنَةِ، وَيَتَفَاءَلُ وَيَتَشَاءَمُ بِمَا لَا فَأْلَ فِيهِ وَلَا شُؤْمَ، فَلَا غَرْوَ أَنْ يُبْطِلَ ذَلِكَ دِينُ الْعَقْلِ وَالْبَصِيرَةِ وَالْبُرْهَانِ، كَمَا أَبْطَلَ التَّطَيُّرَ وَالْكِهَانَةَ وَالْعِيَافَةَ وَالْعِرَافَةَ وَسَائِرَ خُرَافَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَا يَلِيقُ ذَلِكَ كُلُّهُ إِلَّا بِجَهْلِ الْوَثَنِيَّةِ وَأَوْهَامِهَا.
وَمِمَّا يَجِبُ الِاعْتِبَارُ بِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ صِغَارَ الْعُقُولِ كِبَارُ الْأَوْهَامِ فِي كُلِّ زَمَانٍ
وَمَكَانٍ، وَعَلَى عَهْدِ كُلِّ دِينٍ مِنَ الْأَدْيَانِ، يَسْتَنُّونَ بِسُنَّةِ مُشْرِكِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَا تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ إِلَّا بِخُرَافَاتِ الْوَثَنِيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ اسْتَقْسَمُوا بِمَا هُوَ مِثْلُهَا وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَلَكِنَّهُمْ يُسَمُّونَ عَمَلَهُمْ هَذَا اسْمًا حَسَنًا، كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى عَصْرِنَا هَذَا بِالِاسْتِقْسَامِ بِالسِّبَحِ وَغَيْرِهَا، وَيُسَمُّونَهُ اسْتِخَارَةً وَمَا هُوَ مِنْ الِاسْتِخَارَةِ الَّتِي وَرَدَ الْإِذْنُ بِهَا فِي شَيْءٍ، وَقَدْ يُسَمُّونَهُ أَخْذَ الْفَأْلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقْتَطِعُونَ طَائِفَةً مِنْ حَبِّ السِّبْحَةِ وَيُحَوِّلُونَهُ حَبَّةً بَعْدَ أُخْرَى، يَقُولُونَ " افْعَلْ " عَلَى وَاحِدَةٍ، وَ " لَا تَفْعَلْ " عَلَى أُخْرَى، وَيَكُونُ الْحُكْمُ الْفَصْلُ لِلْحَبَّةِ الْأَخِيرَةِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ كَلِمَاتٍ أُخْرَى بِهَذَا الْمَعْنَى، تَخْتَلِفُ كَلِمَاتُهُمْ كَمَا كَانَتْ تَخْتَلِفُ كَلِمَاتُ سَلَفِهِمْ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَالْمَعْنَى وَالْمَقْصِدُ وَاحِدٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَقْسِمُ بِوَرَقِ اللَّعِبِ الَّذِي يُقَامِرُونَ بِهِ أَحْيَانًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُ الْفَأْلَ بِفُصُوصِ النَّرْدِ - الطَّاوِلَةِ - وَأَمْثَالِهِ مِنْ أَدَوَاتِ اللَّعِبِ، وَفُصُوصُ النَّرْدِ هَذِهِ هِيَ كِعَابُ الْفُرْسِ الَّتِي أَدْخَلَهَا مُجَاهِدٌ فِي الْأَزْلَامِ، وَجَعَلَهَا كَسِهَامِ الْعَرَبِ فِي التَّحْرِيمِ سَوَاءٌ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يُؤَيِّدُ تَحْرِيمَهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَقْسِمُ


الصفحة التالية
Icon