مُؤَاكَلَتَهُمْ، وَأَوْصَى أَنْ تَكُونَ مُجَادَلَتُهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُحَاسَنَةَ هِيَ رَسُولُ الْمَحَبَّةِ وَعَقْدُ الْأُلْفَةِ، وَالْمُصَاهَرَةُ إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ التَّحَابِّ بَيْنَ أَهْلِ الزَّوْجَيْنِ، وَالِارْتِبَاطِ بَيْنَهُمَا بِرَوَابِطِ الِائْتِلَافِ، وَأَقَلُّ مَا فِيهَا مَحَبَّةُ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ، وَهِيَ عَلَى غَيْرِ دِينِهِ، قَالَ تَعَالَى: خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (٣٠: ٢١) انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ.
وَإِذَا كَانَتِ الْحِكْمَةُ فِيمَا شَرَعَهُ اللهُ - تَعَالَى - مِنْ مُؤَاكَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالتَّزَوُّجِ مِنْهُمْ، هِيَ إِزَالَةُ الْجَفْوَةِ الَّتِي تَحْجُبُهُمْ عَنْ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ ; بِإِظْهَارِ مَحَاسِنِهِ لَهُمْ بِالْمُعَامَلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ - فَيَنْبَغِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ يُرِيدُ الزَّوَاجَ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ مُظْهِرًا لِهَذِهِ الْحِكْمَةِ وَسَالِكًا سَبِيلَهَا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ قُدْوَةً صَالِحَةً لِامْرَأَتِهِ وَلِأَهْلِهَا فِي الصَّلَاحِ وَالتَّقْوَى وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، فَإِنْ لَمْ يَرَ نَفْسَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ فَلَا يُقْدِمُ عَلَيْهِ، وَإِنَّنَا نَرَى بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ
الْمِصْرِيِّينَ وَالتُّرْكِ يَتَزَوَّجُونَ مِنْ نِسَاءِ الْإِفْرِنْجِ، وَلَكِنَّهُمْ يَسْتَدْبِرُونَ بِذَلِكَ هَذِهِ الْحِكْمَةَ، فَيَرَى أَحَدُهُمْ نَفْسَهُ دُونَ امْرَأَتِهِ وَيَجْعَلُهَا قُدْوَةً لَهُ، وَلَا يَرَى نَفْسَهُ أَهْلًا لِأَنْ يَكُونَ قُدْوَةً لَهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْمَحُ لَهَا بِتَنْصِيرِ أَوْلَادِهِ، وَمِثْلُ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا فِي الْجِنْسِيَّةِ السِّيَاسِيَّةِ، فَفِتْنَتُهُمْ بِالْكُفْرِ أَكْبَرُ مِنْ فِتْنَتِهِمْ بِالنِّسَاءِ، وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
(تَتِمَّةٌ وَاسْتِدْرَاكٌ فِي مَبَاحِثِ حِلِّ الطَّعَامِ وَحَرَامِهِ وَالتَّذْكِيَةِ وَالتَّسْمِيَةِ)
كَتَبْنَا مَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ مُسْتَعِينِينَ عَلَى فَهْمِهَا بِبَيَانِ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا جَرَى عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ شَأْنُنَا فِي فَهْمِ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، نَسْتَعِينُ عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ وَبِأَسَالِيبِ لُغَةِ الْعَرَبِ وَسُنَنِ اللهِ فِي خَلْقِهِ. ثُمَّ رَاجَعْنَا بَعْدَ ذَلِكَ مَا كَتَبْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ حِلِّ الطَّعَامِ وَحَرَامِهِ فِي الْمُجَلَّدِ السَّادِسِ مِنَ الْمَنَارِ، فَرَأَيْنَا مَا كَانَ مِنْهُ بِفَهْمِنَا وَاجْتِهَادِنَا مُوَافِقًا لِمَا هُنَا مَعَ زِيَادَةِ بَيَانٍ لِحِكْمَةِ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ، وَنُقُولٍ مِنْ كُتُبِ مَذَاهِبِ الْفُقَهَاءِ الْمَشْهُورَةِ، فَأَحْبَبْنَا أَنْ نُلَخِّصَ مِنْهُ مَا يَأْتِي إِتْمَامًا لِلْفَائِدَةِ؛ حَتَّى لَا يَبْقَى لِلْمُضِلِّينَ الْجَاهِلِينَ سُلْطَانٌ عَلَى الْمُطَّلِعِ عَلَيْهِ يُضِلُّونَهُ بِهِ، كَمَا فَعَلَ أَشْيَاعُهُمْ مِنْ نَحْوِ عَشْرِ سِنِينَ ; إِذْ سُئِلَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ الْمُفْتِي عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ (فِي التِّرِنْسِفَالِ) يَضْرِبُونَ رَأْسَ الثَّوْرِ بِالْبَلْطَةِ، ثُمَّ يَذْبَحُونَهُ وَلَا يُسَمُّونَ اللهَ، كَمَا يَذْبَحُونَ الشَّاةَ بِدُونِ تَسْمِيَةٍ، فَأَفْتَى بِحِلِّ ذَبِيحَتِهِمْ هَذِهِ، فَقَامَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ يُشَنِّعُ عَلَى هَذِهِ الْفَتْوَى فِي بَعْضِ الْجَرَائِدِ، وَيَعُدُّ هَذِهِ الذَّبِيحَةَ مِنَ الْمَوْقُوذَةِ وَيَدَّعِي الْإِجْمَاعَ عَلَى حُرْمَةِ الْأَكْلِ مِنْهَا، فَكَتَبْنَا فِي مُجَلَّدِ الْمَنَارِ السَّادِسِ بَيَانَ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَجَاءَتْنَا رَسَائِلُ مِنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ مِصْرَ وَالْغَرْبِ، فَنَشَرْنَاهَا تَأْيِيدًا لِمَا كَتَبْنَاهُ فِي تَأْيِيدِ الْفَتْوَى، ثُمَّ اجْتَمَعَ طَائِفَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْأَزْهَرِ وَأَلَّفُوا رِسَالَةً أَيَّدُوا بِهَا الْفَتْوَى بِنُصُوصِ مَذَاهِبِهِمْ، وَطَبَعَهَا الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَمِيدِ حَمْرُوشُ (مِنْ عُلَمَاءِ الْأَزْهَرِ وَقُضَاةِ الشَّرْعِ لِهَذَا الْعَهْدِ) وَهَاكَ مَا رَأَيْنَا زِيَادَتَهُ الْآنَ: