ويؤيد مذهبهم: إثباتها في المصاحف أول كل سورة، ما عدا "التوبة". مع ما ورد من الأمر بتجريد القرآن عن كل ما ليس منه: ولذلك لم يكتبوا "آمين" فى آخر الفاتحة؛ لأنها دعاءُ مطلوب بعدها، وليس منها.
وذهب آخرون إلى انها آية من الفاتحة وحدها، وبه أخذ بعض الشافعية وحمزة، ونسب إلى الإِمام أحمد، وقد أقام الفخر على ذلك ست عشرة حجة منها نصوص من السنة: وقراءُ المدينة والبصرة والشام وفقهاؤُها، ومالك والأوزاعى- على أن البسملة ليست آية من الفاتحة، ولا من أي سورة أخرى، وإنما أثبتت في المصحف للتبرك بها والفصل بين السور.
﴿بسْم اللهِ﴾: المراد بالاسم هنا: المسمى، وهو ذات الله تعالى، فإنه سبحانه هو المستعان به في كل أمر يؤْتى بالبسملة فيه. والدليل على ذلك أنه لما نزل: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ أول سورة الأعلى، قال رسول الله - ﷺ -: "اجعلوها في سجودكم" (١).
وكان يقول في سجوده: "سبحان ربى الأعلى" ولم يقل: سبحان اسم ربي الأعلى.
وقال الآلوسى: الأسم يطلق على نفس الذات والحقيقة والوجود والعين، وهي عندهم أسماء مترادفة، كما قال الإِمام ابن فورك في كتابه الكبير فى الأَسماء والصفات، وأبو القاسم السهيلى في شرح الإرشاد، ثم قال: ومنه ﴿سَبِّح اسْمَ رَبِّكَ الأعلَى﴾ إذًا التسبيح إنما يتوجه إلى الذات الأقدس. إلى آخر ما قال.
ويمكن تقدير فعل محذوف تقديره: أبتدىءُ باسم الله، ويكون ذكر الاسم هنا على معناه المشهور.
ولفظ الجلالة (الله). علم على الذات العلية، وهو الإله المعبود بحق، الذي يخلق عباده، يرزقهم، ويدبر شئونهم ويقتدر عليهم، وله ما في السموات وما في الأرض.
﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾: تذكير برحمته التي وسعت كل شىءٍ، وبذلك جمع الله لعباده في البسملة من أسمائه الشريفة، بين ما يقتضى الإجلال والتقديس والعبادة وهو لفظ الجلالة علم الذات، وبين ما يقتضى الأنس والأمل في الخير، وهو الرحمن الرحيم، ليأْنسوا بربهم، ولا يقنطوا من رحمة الله تعالى.