٥ - ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾:
من أول السورة إلى هنا، كان الأُسلوب للغيبة، ثم تغير هنا إلى الخطاب حتى آخرالسورة. وفوق ما يفيده تغير الأسلوب من التنبيه إلى موضوع الكلام، فإن فيه إشارة لطيفة إلى ترقي الحامد كلما أثنى على ربه، وأخلص في مناجاته، فينتقل من مقام الغيبة إلى مقام الحضور، وذلك حال المصلي الذي يقرأ الفاتحة، فإنه حين يدخل الصلاة، يكون قريب عهد بما كان يشغله من الشئون قبل الدخول فيها، فإذا أقبل على ربه بحمده له، وثنائه عليه، تاركا شواغله، انتقل إلى مقام الإحسان في عبادته، وهو أن يعبده الله كانه يراه على ما سنبينه.
وهذا يقتضى أن ينتقل من الغيبة إلى موقف المخاطب لمولاه، فيقول:
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾.
هذا، وتقديم ضمير المفعوك ﴿إيَّاكَ﴾، في كل من الجملتين، للاهتمام، مع إفادة القصر، كأَنه قيل: إياك يا الله وحدك نعبد، واياك يا الله دون سواك نستعين. وفي ذلك إقرار له تعالى، بالأُلوهية والوحدانية.
وقدمت جملة ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ على جملة: ﴿إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، لأن المقصود الأوَّلي هو العبادة، ولما كان فعل الطاعة وتوفر الدواعى إلى فعلها، لا يتمان إلا بمعونة الله وتوفيقه، فلهذا يطلب العبد الاستعانة باللهِ عقب تخصيصه بالعبادة، إذ أن العبد لا حول له ولا قوة إلا باللهِ.
والعبادة للمعبود هي الطاعة الخالصة له، المبنية على حبه، المؤَداة على وجهِ يشعر بمنتهى الخضوع له.
ولكون العبادة بهذا المعنى، فلا تكون إلا لله وحده (١)، وهي أخص من الطاعة التى تتحقق في مطلق الامتثال، فكل عبادة طاعة، وليس كل طاعة عبادة، فأنت إذا امتثلت أمر والديك أو ولى أمرك، يقال لك: أنت أطعتهم، ولا يصح أن يقال: أنت عبدتهم، فالعبادة أعلى مقام في الطاعات، وهي المعراج الروحى الذي يصعد فيه العباد إلى درجة،