كأنهم فيها يشهدون الحق - سبحانه وتعالى - فإن لم يصلوا إلى ذلك، فليشعروا بأنه تعالى
يراهم، وذلك هو مقام الإحسان الذي يشير إليه الحديث الشريف بقوله -عليه الصلاة
والسلام- في تعريف الإحسان "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك (١) ".
والعبادة: تشمل عمل القلوب، وعمل الجوارح. وتشمل فعل المأمور به، وترك المنهى عنه. فلا يتحقق معنى العبادة إلا بذلك كله.
وفي الآية سؤَال وهو ان مقام العبودية يقتضى التواضع والذلة لله تعالى. فكان الظاهر أن يقول العبد.: إياك أعبد، وإياك استعين " بضمير المفرد الذي لا يعظم نفسه".
والجواب: أن النون في (نَعْبُدُ)، و (نَسْتَعِينُ)، ليست للمتكم المعظم نفسه، ولكنها للمتكلم ومعه غيره من المؤمنين، فكلهم يعبد الله، ويستعين به وحده، فهذا إقرار من المصلي، وشهادة منه بان هذا هو شأن المؤمنين مع ربهم. وفي ذلك إدراج لعبادته واستعانته، ضمن عبادتهم واستعانتهم؛ رجاء القبول ببركة ذلك.
ومن أجل هذا الملحظ -ولما سبق- طلبت الصلاة في جماعة.
٦ - ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾:
بعد أن يخص العبد ربه بالعبادة، والاستعانة مخاطبا له بقوله: ﴿إياكَ نَعْبُدُ وَإياكَ نَسْتَعِين﴾ يناجيه، وايصلب منه الهداية إلى الطريق المستقيم، فإن الله وحده هو المانح للخير، والهادى إلى الصرط القويم والهداية: هي البيان والإِرشاد، سواء اهتدى من ترشده أم لم يهتد، وقد يراد منها:
خلق الاهتداءَ في القلب. وهي بهذا المعنى مختصة باللهِ -تعالى- إذ لا يقدر عليها سواه، ولما كانت من أشرف المطالب وأسناها. شرع الله لعباده أن يرجوها منه سبحانه بقولهم:
﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾
اما الصراط: فهو الطريق الذىَ يسلكه السائر إلى المقصود، وهو نوعان: حسي ومعنوي؛ فالطريق إلى منزلك حسي، والطريق إلى الله معنوي، وهو الطاعة. ووصف الطريق بالمستقيم؛ للاحتراز عن الطريق المنحرفة المعوجة، وهي طريق أَهل الضلال والفساد.