ومعروف، أن الخط المستقيم هو أقرب مسافة بين نقطتى المبتدأ والمنتهى.
وإذا كان المقصود للعباد في رحلة الحياة الدنيا، هو الوصول إلى الله تعالى: فإن أقرب الطرق إليه هو الصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه. قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ (١)﴾.
ففى وصف الصراط بالمستقيم، إِشارة لطيفة إلى أن سبيل الله هي أقرب الطرق إلى مرضاته تعالى. وأَما غيرها فإما أنها لا توصل إلى الله أصلًا، وهي صراط المغضوب عليهم والضالين، وإما أنها توصل بعد محنة العقاب، وهي صراط العصاة المؤْمنين.
٧ - ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ... ﴾ الآية
﴿صِرَاطَ الَّذِينَ... ﴾ إلخ بدل من الصراط المستقيم، مبين لمعناه، فإن الصراط المستقيم هو طريق من أنْعَمَ الله عليهم بالإيمان والإسلام، أي اهدنا صراط المؤمنين الذين أنعمت عليهم في الدنيا بحسن الطاعة، وفي الآخرة بحسن الثواب: ﴿مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ (٢).
﴿غَيْرِ المغَضْوُبِ عَلَيْهِمْ﴾، المغضوبُ عليهم: هم الذين خرجوا عن طاعة الله ورسوله، وأفسدوا دينهم بالكفر والمعاصى، فغضب الله عليهم، أي أَراد الانتقام منهم لذلك.
﴿وَلا الضَّالَّين﴾. الضالون، هم الذين أَفسدوا عقيدتهم بالجهل بدين الله، فانحرفوا عن سواء السبيل.
هذا، واشتهر بين المفسرين: أن المراد بالمغضوب عليهم: اليهود، لقول الله فيهم:
﴿مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾ (٣) ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾. وأن المراد بالضالين: النصارى، لقول الله فيهم: ﴿قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءالسَّبِيلِ﴾ (٤) ولأَن الرسول -صلى الله عليه وسم- فسرهما بذلك كما رواه عنه أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، وحسنه.

(١) الأنعام: ١٥٣
(٢) النساء: ٦٩
(٣) المائدة: ٦٠
(٤) المائدة: ٧٧


الصفحة التالية
Icon