والمراد: انهم استحبوا الكفر على الإيمان فليس الاستبدال حقيقة حتى يكون معاوضة، لأنهم لم يسبق لهم الإيمان حتى يبذلوه في مقابلة الكفر.
والتعبير بلفظ ﴿اشْتَرَوا﴾ يؤْذن بأنهم قادرون على الإيمان بالفطرة، لو نظروا واعتبروا.
والباء في قوله: ﴿بِالْهُدَى﴾ داخلة على المتروك. لأنهم اخذوا الضلالة وتركوا الهدى الذى كان فيهم بالفطرة، وتمكنوا منه بالأدلة الواضحة. ﴿فَمَا رَبِحَت تَجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ ترشيح وتقوية للمعنى المجازى؛ فإِنه لما استعمل لفظ. اشترىَ مجازا عن استبدل، أتبعه ما يشاكله تقوية له، وتمثيلا لما فاتهم من فوائد الهدى. بصورة خسران التجارة، الذي يتحاشاه كل أحد، للإشباع في التخسير والتحسير أىَ: فلم يربحوا، ولكن خسروا، وما كانوا مهتدين إلى الربح اجهلهم بطرق التجارة الرابحة، وعدم اهتدائهم إلى أساليبها وأسبابها.
وكذلك هؤلاءِ المنافقون: كان رأْس مالهم الهدى، فاستبدلوا به الضلالة، فخسروا بذلك رأْس المال: وهو الهدى، وربحه وهو النجاة والفوز، ﴿وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ إلى طرق التجارة الرابحة في الدين.
﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨)﴾.
التفسير
١٧ - ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ﴾
بعد أن بين الله في الآيات السابقة صفات المنافقين، عقبها بتمثيلهم فيها، زيادة في توضيحها
وتقريرها.