فيقولون: اللهم افتح علينا، وانصرنا بالنبي المبعوث آخر الزمان. ويقولون لأعدائهم المشركين: قد أَظلَّ زمانُ نَبِيٍّ يخرج بتصديق ما قلنا، فنقتلكم معه قتل عادٍ وإِرَم.
وكان هذا حالهم قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ودعائه الناس إلى الإسلام: الذي جاءَ به مصححا للأخطاء المتعمدة التي اقترفوها في دينهم، كدعواهم بُنُوَّةَ عُزير وعيسى، لله تعالى.. فحسدوه صلى الله عليه وسلم، لأنه من ولد إسماعيل، وليس من ولد إسحاق عليهما السلام.
واختلفوا في أمر الإسلام: فمنهم من آمن به كعبد الله بن سلام، وزيد بن سعنة، من أحبار اليهود وغيرهما. ومنهم من كفر به وهم أكثرهم. وكان كفرهم هذا من بعد ما جاءَهم العلم اليقيني بأنه الحق، إذ أتاهم على وفق أوصافه ونعوته في كتابهم. وكان هذا أقبح القبح منهم. وإن الجحود - بعد العلم - أشنع من الكفر عن غفلة أَو جهالة.
وكان اختلافهم فيه - بعد ما أتاهم العلم - إلا بغيا وحسدا فاشيا بينهم، لا لشبهة تقتضيه.. وصدق الله إذ يقول: "أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (١).
(وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ):
ختم الله الآية بهذا الوعيد.
والمعنى: ومن يجحد آيات الله - الشاهدة بأن الإسلام هو الدين عند الله فلا يؤمن به - يعاقبه الله عن قريب، فإنه سريع الحساب ومن كان سريع الحساب، كان سريع العقاب، قريب الجزاء.
وقد نفذ الله وعيده فيهم، فقُتلوا، وأُخرجوا من ديارهم حول المدينة... وما ينتظرهم من الجزاءِ في الآخرة أعظم.
٢٠ - ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ... ﴾ الآية.

(١) النساء: ٥٤.


الصفحة التالية
Icon