المعنى: فإن جادلك أهل الكتاب، أو جميع الناس في الدين بعد ما جاءَهم العلم به، وظهرت لهم براهينه، فقل لهم: أسلمت وجهي لله، أي أخلصت ذاتي ونفسي له، ومَنْ آمن معي أخلصوا له أنفسهم كذلك.
وإطلاق الوجه على الذات كلها، لأنه ترجمان النفس، وعليه تظهر آثارها، وهو من إطلاق اسم الجزءِ على الكلِّ لأَهميته.
والمراد من الآية: أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، أن يقول لأهل الكتاب ذلك، ليعلموا أنه ليس مسئولا عن انحرافهم وكفرهم، وأن تبعة ذلك عليهم وحدهم، وأنه سائر في طريق عبادة الله وحده هو وأتباعه، دون اكتراث بضلالهم، لأن المحاجة والجدل معهم - لا فائدة فيهما، بعد ما جاءَهم العلم بأن ما عليه هو الحق.
(وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ):
المعنى: وقل يا محمد - لأهل الكتاب من اليهود والنصارى، وللأُميين - وهم مشركو العرب: الذين عُرفوا بهذا الوصف، لعدم معرفة سوادهم الأعظم القراءَة والكتابة - قل لهم - بعد ما أعلمتهم بترك المحاجة معهم وبإسلام وجهك وتابعيك لله تعالى - هل أَجْدَى معكم هذا وأسلمتم متبعين لي كما فعل المؤمنون، فإنه قد جاءَكم من الآيات ما يقتضي الإسلام، أَو أَنتم لا تزالون مصرين على العناد والكفر؟.
وهذا كما تقول - إذا لَخَّصْتَ لسائل مسأَلة بعد ما بينتها له بسعة وإفاضة - هل فهمت ما قلته لك؟ وذلك على نظام قوله تعالى: "فَهَلْ أَنتمُ مُّنتَهُونَ" (١) بعد تفصيل الصوارف عن تعاطي ما حرم الله تعالى.
وفي ذلك توبيخ واتهام لهم بالبلادة وجمود القريحة.
فإن أسلموا متأثرين بذلك، فقد اهتدوا إلى الحق بإسلامهم، وخرجوا مما كانوا فيه من ضلال.
وإن أعرضوا عن الإسلام فلا يضرك إعراضهم، فما عليك إلا تبليغهم، وقد فعلت، فخلصت بذلك من التبعية.
(وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ):