المُلك - بضم الميم - في حق الله تعالى، هو - على ما قاله المحققون - صفة قائمة بذاته تعالى، متعلقة بما سواه، تعلق التصرف التام، المقتضى استغناء المتصرِّف وافتقار المتصرَّف فيه. ولا يصح إطلاقه - بهذا المعنى - على غير الله تعالى. وهو أخص من المِلك - بكسر الميم - فإنه صفة تقتضي الاستيلاء والتسلط على شيءٍ بطريق مشروع، وتجعله صاحب الحق في التصرف فيه، من غير نظر إلى استغناء المتصرف وافتقار المتصرف فيه. ولهذا، يصح إطلاقه على غير الله تعالى.
ومعنى الآية: قل يا محمد، ذاكرا وشاكرا لربك أن آتاك نعمة الرياسة والنبوة اللتين نزعهما عن بني إسرائيل، أهل الحقد والحسد: اللهم يا صاحب صفة التصرف التام في جميع الكون، بلا شريك ولا ممانع: تعطي السلطان والرياسة من تشاءُ، وقد تفضلت فأعطيتني السلطان والرياسة على أُمتى.
وتمنع السلطان والرياسة من تشاءُ، وقد منعتهما بني إسرائيل الذين غرهم بالله الغرور. وتعز من تشاءُ في الدنيا والآخرة، بأسباب العزة والكرامة، وقد تفضلت عليَّ بالنبوة والعلم بك وبشريعتك فأعززتني.
وتذل من تشاء وقد أذللت بني إسرائيل المتغطرسين، بتحويل النبوة عنهم إلى العرب بقدرتك الخير كله. تتصرف فيه أنت وحدك، حسب مشيئتك مَنْحًا ومنعا لا يملكه أحد سواك. إنك على كل شيء قدير. فلا يليق بأحد أن يحقد على خير قَسَمه الله لبعض عباده، فإنه مِن عطاءِ مَن له الملك، وبيده الخير. وهو على كل شيء قدير.
ومن كان كذلك، فهو الحكيم الذي يجب التسليم بما أعطى ووهب، والرضا به من أعماق النفس دون حقد أو اعتراض.
وإنما خص الخير بالذكر، تعليما لحسن الأدب، ومراعاة لسبب النزول. وإلا فالشر أيضًا بيد الله. ويدل لذلك قوله تعالى: (وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ). كما يدل عليه التعميم في قوله: (إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). كما أن في القرآن آياتٍ كثيرةٌ تدل على ذلك: كقوله تعالى: "مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ" (١).