سب النزول: روى عن ابن عباس، قال: كان الحجاج بن عمرو، وكهمسُ بن أبي الحقيق، وقيس بن زيد - والكل من اليهود - يباطنون نفرا من الأنصار، ليفتنوهم عن دينهم. فقال رفاعة بن المنذر، وعبد الله بن جبير، وسعيد بن خيثمة لأُولئك النفر: اجتنبوا هؤُلاء اليهود واحذروا مباطنتهم، لا يفتنوكم عن دينكم. فأَبى أُولئك النفر، إلا مباطنتهم وملازمتهم. فأنزل الله هذه الآية.
وروى الضحاك عن ابن عباس: أنها نزلت في عبادة بن الصامت الأنصاري. وكان بدريا نقيبا. وكان له حِلْفٌ من اليهود. فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم، يوم الأحزاب. قال عبادة: يا نبي الله، إن معي خمسمائة رجل من اليهود، وقد رأَيت أن يخرجوا معي؛ فأَستظهر بهم على العدو. فأنزل الله تعالى: (لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ... ) الآية.
الربط:
بعد أن أشار الله إلى إعزاز المؤمنين، وإذلاله الكافرين، وذكر أن بيده الخير، وأنه على كل شيء قدير، وأنه يولج الليل في النهار، والنهار في الليل، ويخرج الحي من الميت، والميت من الحي، ويزرق من يشاء بغير حساب، ليعلم المؤمنون أنهم يأوون من الله إلى ركن شديد - بعد أن ذكر الله تعالى ذلك - أتبعه تحذيرهم من اتخاذ الكافرين أولياءَ بعد أن أذلهم بإعلائهم عليهم، فإن الموْتور لا تخمد في نفسه جذوة الحقد على من وتَر، ولا يبغي لواتره سوى الشر، فحسبهم تأييد الله وولايته لهم.
المعنى: تقرر الآية: أن موالاة الكافر خطر على من والاه، وأنها لا تكون إلا عند الضرورة، لاتقاء ضرر يكون من ناحيته، على ألا تبلغ الموالاة درجة المباطنة بخفايا المؤمنين.
والموالاة تطلق لغة: على الحب والصداقة والمباطنة بالأسرار. وتطلق: على النصرة. وكلا المعنين تصح إرادته في الآية.
ولهذا، لا يحل للمؤمنين أن يوالوا الكافرين، بأي معنى من معاني الموالاة. ومن يفعل ذلك فليس من دين الله في شيء.
وقد ذكر ذلك صريحا في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ" (١).