وقال محمد بن جعفر بن الزبير: "نزلت في نصارى نجران. وذلك أنهم قالوا: إنما نعظم المسيح ونعبده، حبًا لله تعالى وتعظيمًا له. فأنزل هذه الآية ردًا عليهم" رواه محمد بن إسحق.
وسياق الآيات من قبل، يرجع الأول. فقد نُهيَ فيها المؤمنون عن اتخاذ الكافرين أولياءَ، وتوالي تحذيرهم بعد ذلك من المخالفة، حتى اتصل الكلام هنا بحضهم على اتباع رسول الله وطاعته: فيما يأمرهم به وينهاهم عنه.
وسواءٌ كان السبب هذا أو ذاك، فالآية صالحة لخطاب الجميع.
والمعنى: قل يا محمد: لِمَنْ يدعي حُبَّ الله: إن كنتم تحبون الله كما تقولون، فاتبعوني فيما بلَّغتكم عن الله تعالى، وبَرْهِنُوا - بهذا الاتباع - على صدق محبَّتكم لله تعالى، فإن المحبة ليست ادعاء، ولكنها اتباع لما يرضى المحبُوب. فمن أَحبَّ اللهَ فلْيتبع حبيبه ومصطفاه، ولْيتأدب بِمَا دعا إليه من فضائل وآداب. وإلا فهو كاذب في دعواه.
وثمرة هذا الاتباع، لا غاية وراءها لكم وهي حبُّ الله، وغفران ما عسى أن تقترفوه من ذنوب.. ولا شيءَ أسمى من ذلك تطمح إليه قلوب المحبين.
وليس الفضل في أن تقول: إني أُحب. ولكن الفضل في أن تفعل ما تكون به محبوبًا عند حبيبك.
وقد ختم الله الآية، بما اتصف به دائمًا، من صفتي الغفران والرحمة فقال: (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ):
ولا يتمتع ببركة هذين الوصفين، إلا من لازم اتباع الرسول فيا أمر به ونهى عنه.
قال ابن كثير: هذه الآية، حاكمة على كل من ادّعى محبة الله - وليس هو على الطريقة المحمدية - بأنه كاذب في دعواه، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله، وأفعاله، وأحواله. كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لِيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" اهـ.
وقال الحسن البصري: زعم قوم: أنهم يحبون الله، فابتلاهم الله بهذه الآية (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ):
والحسن البصري: من كبارة أساتذة التصوف. وهو إذ يقول ذلك، يعلمنا ألا نحفل بمن يزعم أنه من المتصوفة المحبين ربهم، وهو في وادٍ واتباع الرسول في وادٍ آخر. فلا ولاية


الصفحة التالية
Icon