(كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ):
كان زكريا يأتي مريم بطعامها، بمقتضى كفالته لها. ولكنه كان - حين يأتيها - يجد عندها رزقا جميلا، وطعاما وفيرا. فيعجب لذلك، ويقول لها: من أين لك هذا؟! يقول لها ذلك متعجبا من وجود رزق عندها، ولا كافل لها سواه. فتجيبه قائلة: (هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ) رزقا واسعا (بِغَيْرِ حِسَابٍ). ويحتمل أن تكون جملة (إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) من كلام الله تعالى، وليس من كلامها، سيقت: للإيذان بأنه لا ينبغي أن تعجب من هذا الرزق، فإن الله يرزق من يشاءُ بغير حساب.
والمحراب الذي كانت فيه، قيل: إنه غرفة بنيت لها في بيت المقدس، لا يصعد إليها إلا بسلم. وقيل: إنه ذات المسجد، وكانت مساجدهم تسمى: محاريب.
والحق، أن المحراب لغة: يطلق على الغرفة، وهي الحجرة العالية. وعلى صدر البيت وأكرم مواضعه. وإطلاقه على المسجد - أو على مكان الإمام فيه - لرفعة شأنه.
﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٨) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (٤٠) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (٤١)﴾