(مِنَ الْآيَاتِ): من الحجج الدالة على صدقك.
(وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ): والقرآن المحكم المتقن. أو المنصف بالحكمة.
التفسير
٥٥ - ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا... ﴾ الآية.
اختلف المفسرون في المراد من التوفي هنا.
فمن العلماء من قال: إنه على حقيقته المعروفة. وإنه مرتبط بالآية السابقة.
والمعنى: ومكر اليهود بعيسى يريدون قتله. ومكر الله فأحبط تدبيرهم. والله خَيْرُ الحاكمين. فقد قال الله لعيسى: إني متوفيك حين يأتي أجلك. ولن أسلطهم عليك ليقتلوك. وقد حقق الله وعده إذ ألقى شبهه على يهوذا فقتلوه، وأنجى عيسى ورفعه إليه. وسيبقى إلى آخر الزمان ليبلغ شريعة محمد - ﷺ - للناس. ثم يتوفاه بعد ذلك. كما ورد في السنة الصحيحة على ما سنبينه.
فالآية على هذا كناية عن عصمته من الأعداء، مشفوعة بالبشارة برفعته.
وقال آخرون: معناه: إني مستوفيك، أي آخذك من الأرض. مأخوذ من قول العرب: توفيت ما لي على فلان، أي أخذته. وعلى هذا يكون قوله: (وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) تفسيرا للتَّوفي.
ونقل الحافظ ابن كثير، عن ابن عباس (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) أي مميتك.
ولكن هذا النقل معارض بما سنذكره من الأحاديث الدالة على بقائه إلى آخر الزمان، وبقوله تعالى: "وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ" (١). وهذا الوعد لم يتحقق إلى الآن، فإن اليهود - وأكثر الناس - لم يؤمنوا به. وذلك يدل على أنه لا يزال حيًا. وسيظل كذلك. حتى يؤمن به جميع الناس قبل موته، تحقيقًا لوعد الله تعالى. وسيكون ذلك آخر الزمان.
كما أنه معارض بما صح نقله عن ابن عباس من أنه رفع من غير وفاة.
وعلى هذا يكون قوله تعالى: (وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) مرادا منه: رافعك حيًّا بدون وفاة..