﴿لِلْمَلَائِكَةِ﴾: الملائكة جمع مَلَك. وهم: ذوات نورانية، خلِقو الطاعة الله فيما يأْمرهم به، لهم قدرة التشكل بالأشكال الحسنة المختلفة. ولهذا كان الرسل يرونهم. وهذا مذهب أكثر المتكلمين.
وقال الحكماءُ: هم جواهر مجردة. مخالفة للنفوس الناطقة بالحقيقة.
ومعنى قوله: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ إنى خالق في الأرض خليفة وهو آدم- عليه السلام- وخواص بنيه من البشروهم الرسل، وذلك إن كان المراد بالخلافة: الخلافة من جهة اللُّه -سبحانه- في إجراء أحكامه بين الناس، وسياسة خلقه؟ لقصر استعداد المستخلف عليهم، وعدم لياقتهم لقبول الفيض الإلهى، فتختص باَدم والخواص من بنيه، فإن أُريدت الخلافة ممن كان في الأرض قبل ذلك، فالخليفة هو آدم وذريته جميعًا، صالحهم وطالحهم. فقد خلفوا من سبقهم في عمارة الأرض.
﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ هذا اسنئناف وقع جوابا عن سؤال تنساق! ليه الأذهان، كأَنه قيل: فماذا قالت الملاتكة بعد آن أخبرهم الله بقوله: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾؟ فقيل جوابا لهذا السؤال: ﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا... ﴾ إلخ.
والمعنى: أنجعل فيها خليفةَ: مَن يفسد فيها؟ وقد عرفوا ذلك، إمّا قراءةً من اللوح المحفوظ الما سجل من مستقبل أعمالهم، وائا قياسًا لهم على من كان قبلهم، وهم الذين أَهلكهم الله وأحلهم محلهم، وائا من الغرائز التي سيخلقون بها، فإنها قد تدعو إلى الفساد.
والاستفهام ظاهره تعجب الملائكة من أنه تعالى، سيجعل في الأرض مَن يفسد فيها، أو
الاعتراض على ذلك وانكاره. ولكن هذا الظاهر كير مراد؛ لأن الملائكة كما قال تعالى:
﴿... عِبَادٌ مُكْرَمُونَ. لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ (١) بل هو استفهام تعجب، قالو. استكشافًا لما خفِىَ عليهم من الحكم في خلق من بفسدون في الأرض، واستخبارًا عما يزيح شبهتهم، ويشدهم إلى معرفة ما فى آدم من الفضائل الق جعلته أهلا للخلافة هو وذريته، كسؤال المتعلم أستاذ. عما ينقدح في ذهنه؛ ليعلم الجواب فيستريح.