ويجوز أن يكون تصديقه للتوراة، أنه نازل حسبما نعت فيها. ومعنى قوله: ﴿وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾ لا تكونوا أول المبادرين بالكفر به مع علمكم بصدقه من كتابكم.
فإن قيل: إِن مشركى العرب سبقوهم إلى الكفر بالقرآن والنبى. فالجواب أن المراد، التعريض، كأنه قيل لهم: ينبغى أن تكونوا أول المومنين به؛ لما عرفتموه من صفاته في كتابكم، فأنتم تعرفونه كما تعرفون أبناءكم، وكنتم تبشرون به، وتستفتحون عل أعدائكم.
ويمكن أن يجاب بأن المعنى: ولا تكونوا أول كافر به من أَهل الكتاب، فإنهم سبقوا المسيحيين في الكفر به.
ووقوع ﴿أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾ خبرًا عن ضمير الجمع في قوله ﴿وَلَا تَكُونُوا﴾ بتأويل: أول فريق كافر به.
﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ الآيات: حى الدلائل التي أيد الله بها نببه عليه الصلاة والسلام، وأعظمها القرآن، والثمن القليل: هو ما كان رؤَساؤُهم من رجال الدين يحرصون عليه من الرياسة والمنافع المالية.
وإنما وصف الثمن بالقلة لأن كل ما عدا الحق قليل وحقير، فإن مَنْ جَانَبَ عزة الحق،
خسر عقله، وخسر منزلة الرضا عند ربه، وآثر ما يفنى على ما يبقى، وما اعظمها من
خسارة!
﴿وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾: أي لا تتقوا غضب رؤَساثكم ومرؤوسيكم بدوامكم على الكفر، ولكن إياى وحدى فاتقون: بالإيمان واتباع الحق، والإعراض عن متاع الدنيا.
٤٢ - ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾:
أي لا تخلطوا الحق الذي علمتموه، بالباطل الذي تخترعونه وتكتبونه، حتى يشتبه أَولهما بالآخر، أَو: لا تجعلوا الحق ملتبسًا على أتباعكم وخفيا عليهم، بسبب الباطل الذي تكتمونه في أثنائه، أو تذكرونه في تأْويله.
﴿وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ﴾: معطوف على تلبسوا، داخل معه تحت النهى السابق، أي: لا تجمعوا بين الجريمتين؛ لبس الحق بالباطل وكتمانه، فكل منهما كبيرة في الجرائم.


الصفحة التالية
Icon