١٧ - ﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١٧)﴾:
أَي: لن تدفع عنهم عذابَ الله أَموالهم مهما بلغت، ولا أَولادهم مهما كانت معونتهم، فلا تعني عنهم أَي غناء قليلًا كان أَو كثيرًا، وليس المراد خصوص الأَموال والأَولاد، بل كل ما يعتبره الإِنسان من دواعي القوة والمنعة. وإِنما خص الأَموال والأَولاد بالذكر؛ لأَن الإِنسان في الغالب تارة ما يدفع عن نفسه بالفداء، وأُخرى بالأَولاد (أُوْلَئِكَ) المنافقون الموصوفون بما ذكر (أَصْحَابُ النَّارِ) الملازمون لها (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) أَي: المخلدون فيها لا يخرجون منها أَبد الآبدين. روي أَن رجلًا منهم قال: لنُنْصَرُنَّ يوم القيامة بأَنفسنا، وأَموالنا وأَولادنا فنزلت الآية.
١٨ - ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (١٨)﴾:
أَي: حين يبعثهم الله حينمًا من قبورهم ويساقون للقاءِ ربهم فيحلفون له - سبحانه - حينئذ بأَنهم مسلمون حيث قالوا: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ كما يحلفون لكم في الدنيا، ويظنون أنهم بتلك الأَيمان الفاجرة على شيء من جلب منفعة أَو دفع مضرة كما كانوا عليه في الدنيا إذ كانوا يدفعون عن أَموالهم الغنيمة، وعن أَرواحهم القتل، وعن ذراريهم السبي بمثل تلك الأَيمان الفاجرة ويأملون بها فوائد دنيوية (أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْكَاذِبُونَ) البالغون الغاية في الكذب التي لا مطمح بعدها الكاذب، حيث استوت حالهم فيه الدنيا والآخرة بتجاسرهم على علام الغيوب الذي يعلم السر وأَخفى وزعموا أَن أَيمانهم تجعل الكذب مقبولًا لديه - عَزَّ وَجَلَّ - كما تجعله مقبولًا لدى المؤمنين الذين لا يعلمون إلاَّ ظاهر القول، أَما كُنْهُهُ وحقيقة أَمره فعلمه عند الله.
١٩ - ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (١٩)﴾:
أَي: استولي عليهم وتمكن من عقولهم بوسوسته وتزيينه حتى اتبعوه فأَنساهم بذلك ذكر الله، قال الكرماني: علامة استحواذ الشيطان على العبد أَن يشغله بعمارة ظاهرة من المآكل والمشارب والملابس، ويشغل قلبه عن التفكر في آلاء الله ونعمائه والقيام بشكرها،


الصفحة التالية
Icon