الأَنصار - وفي رواية فقال أَبو طلحة: - أَنا يا رسول الله، فذهب به إِلي أَهله فقال لامرأَته: أَكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: والله ما عندي إلاَّ قوت الصبية. قال: إِذا أَراد الصبية العشاءَ فنوميهم وتعالي فأَطفئِي السراج ونطوي الليلة لضيف رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - ففعلت، ثم غدا الضيف على رسول الله ﷺ فقال: لقد عجب الله من فلان وفلانة وأَنزل الله فيهما (وَيُؤْثِرُونَ... ) الآية.
(وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ): لعل المراد بالشح البخل المتناهي بحيث يبخل المتصف به بمال غيره. أي: لا يودُّ جودَ غيره، وتنقبض نفسه منه، ويسعى في أَلاَّ يكون، وقيل: إِنه وإِضافته إِلي النفس؛ لأَنه غريزة فيها مقتضية للحرص على المنع الذي هو البخل، وقال الراغب: الشح: بخل مع حرص وذلك فيما كان عادة، وأَخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: ليس الشح أَن يمنع الرجل ماله ولكنه البخل، إِنما الشح أَن تطمح عين الإِنسان إِلي ما ليس له، ويفهم من الآية ذم الشح ذمًّا بالغًا، ومن يوق شح نفسه بتوفيق الله ومعونته حتى يخالفها فيما يغلب عليها من حب المال، وبغض الإِنفاق فهؤلاء هم الفائزون بكل مطلوب، الناجون من كل مكروه، والجملة الشرطية تذييل وتوكيد لمدح الأَنصار والثناء عليهم لتناوله إِيَّاهم تناولًا أَصليًّا، وكانت الإشارة في قوله - تعالى -: (فَأُوْلَئِكَ) جمعًا باعتبار معنى (مَنْ) كما أَفراد الضمير في قوله - سبحانه -: (وَمَنْ يُوقَ) باعتبار لفظها.
١٠ - ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٠)﴾:
هؤلاء هم القسم الثالث ممن تستحق فقراؤهم من مال الفيءِ، ذكرهم - سبحانه - بعد ذكر المهاجرين والأَنصار، والمراد بهم التابعون بإِحسان كما في آية براءَة (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (١).

(١) سورة التوبة، من الآية ١٠٠.


الصفحة التالية
Icon