وسفه المنافقين، وأُسلوبهم في الكذب والمصانعة، وإِثارة الفتن، وإِذكاءِ التفرقة والخلاف، وكشفت حقيقتهم، وفضحت جبنهم ورهبتهم من المسلمين، وضربت لذلك الأَمثال التي تحذر سوءَ العاقبة وقبح المآل.
ثم خلصت الآيات بعد ذلك للمؤمنين تناديهم في رفق، وتدعوهم في تلطف وإشفاق إِلي الاستدامة في الطاعة والعمل ليومٍ عظيم، وغد قريب يقوم فيه الناس لرب العالمين حتى تسلم لهم راحة الدنيا وثواب الآخرة.
والمعنى: يا أيها الذين آثروا الإِيمان وتمكنت العقيدة من نفوسهم فطهرتها من الشرك والنفاق، ووجهتها إِلي صدق الطاعة وإِخلاص العبادة داوموا هذا العمل وامضوا فيه وأكثروا منه ليومٍ عظيم وغد قريب يجد المرءُ فيه ما قدمت يداه، ويلاقي جزاءَه عند الله، ولتنظر نفس أية نفس ما تدخَّرُه لغد ما تعدّه لهذا اليوم الذي تجد فيه كل نفس ما قدمت وأَخرت وما أسرَّت وأَعلنت وإِنه لقريب. قال قتادة: "إِن ربكم قرّب الساعة حتى جعلها كغد". فاتقوا الله يا معشر المؤمنين واعملوا في طاعته لهذا اليوم العظيم الأَهوال، أو كما اتقيتم الله في أَوامره وطاعته اتقوا الله في محارمه ونواهية، فلا تعصوه فيما أَمركم، ولا يراكم حيث نهاكم لتجمعوا طرفي التقوي من المأمورات والمنهيات وتكون لكم عند الله أَعظم الدرجات، إِن الله محيطٌ بكل أَعمالكم بصيرٌ بجميع أَحوالكم وأَقوالكم يحصيها لكم، ويجزل عليها جزاءَكم.
وعبَّر عن يوم القيامة بغد للتنبيه إِلي شدة قربه وإِثارة الخوف من هوله وبأسه، ولدنوّ الغد من أَمسه، أَو أَن الدنيا كيوم والآخرة غده. ونكره لتهويله وتفخيمه كما نكر كلمة نفس للعموم والتنبيه إِلي أَنه لا ينبغي أَن تغفل الأَنفس عن التفكر لغدها والعمل لآخرتها، وفيه حث على النظر والاعتبار، وتعبير بالترك والغفلة المسيطرة على أَكثر النفوس.
١٩ - ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (١٩)﴾:
تفريع على الآية قبلها واسترسال في غرضها أي، لا تغفلوا عن العمل بطاعة الله، ولا تكونوا كالذين تركوا أداءَ حقه وناموا عن عبادته وذكره فصرفهم عن العمل بما فيه سلامة نفوسهم ونفعها، وحرمهم حظوظهم من الخير والثواب، أُولئك الذين نسوا الله فأَنساهم أَنفسهم