رَحِيمٌ) المراد أَنه يعاملكم بمثل ما عاملتم ويتفضل عليكم فإنه - عز وجل - عظيم الغفران واسع الرحمة، واستدل بعضهم بهذه الآية على أَنه لا ينبغي للرجل أَن يحقد على زوجة وولده إِذا أَلحقوا به ضررًا أَو جنوْا معه جناية وأَن لا يدعو عليهم.
١٥ - ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٥)﴾:
(إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ): أَي: ما أَموالكم ولا أَولادكم إِلا بلاء واختبار لكم قد يحملكم ويدفعكم إِلى كسب المحرم ومنع حق الله، يوقعكم في الإِثم والشدائد والمصائب الدنيوية فلا تطيعوهم في معصية الله.
وقال ابن مسعود: لا يقولن أَحدكم اللهم اعصمني من الفتنة فإِنه ليس أَحد منكم يرجع إِلى مال وأَهل وولد إِلا وهو مشتمل على فتنة ولكن ليقل: اللهم إِني أَعوذ بك من مضلات الفتن، وقال الحسن في قوله تعالى: (إِن مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ) أَدخل من للتبعيض؛ لأَن كلهم ليسوا أعداء ولم يذكر من في قوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ)؛ لأَنهما لا يخلوان من الفتنة واشتغال القلب بهما.
روى الترمذي وغيره عن عبد الله بن بريدة عن أَبيه قال: (رأَيت النبي ﷺ يخطب فجاءَ الحسن والحسين - رضي الله عنهما - وعليهما قميصان أَحمران يمشيان ويعثران فنزل النبي ﷺ فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال: "صدق الله" (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) نظرت إِلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أَصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما ثم أَخذ في خطبته).
وقدمت الأَموال في الآية الكريمة؛ لأَنها أَعظم فتنة قال تعالى: (كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لِيَطْغَي أَن رَآهُ اسْتَغْنَى) (١). وأَخرج الإِمام أَحمد وغيره وصححه الحاكم عن كعب بن فياض قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إِن لكل أُمة فتنة وإِن فتنة أَمتي المال) (وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) أَي: وعند الله في الدنيا والآخرة ثواب جزيل وعطاء عظيم لمن آثر محبة الله

(١) الآيتان: ٦، ٧ من سورة العلق.


الصفحة التالية
Icon