ريح مغافير (١)، وكان ﷺ يحب الطيب، ويكره الرائحة الكريهة، للطافة نفسه الشريفة فحرم العسل على نفسه وقد حلف وقال: لن أَعود فنزلت.
والمعنى: لم تحرم أَيها النبي ما أَحل الله لك من ملك اليمين أَو شرب العسل، وفي ندائه ﷺ أَيها النبي في مفتح العتاب من حسن التلطف به والتنويه بشأنه ما لا يخفى حيث خوطب غيره باسمه من سائر الرسل، والاستفهام ليس على حقيقته بل هو معاتبة.
والمراد من التحريم الامتناع، وبما أَحل الله لك العسل على ما صححه النووي أو وطءَ سريته على ما في بعض الروايات (تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ) استئناف لبيان أَن الداعي إِلى التحريم مؤذن بعدم صلاحيته لذلك كأَنه قيل: إِن الذي فُعل زلة؛ لأَنه ليس لأَحد أَن يحرم ما أَحل الله ابتغاءَ مرضاة أَزواجه على أَن التحريم في نفسه محل عتب والباعث عليه كذلك (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) بالغ الغاية في الغفران والرحمة فقد غفر الله لك ما بدر منك، وفيه تعظيم له ﷺ بأَن ترك الأَولى بالنسبة إِلى مقدامه السامي الكريم يعد كالذنب وإِن لم يكن كذلك في نفسه. وأَن عتابه ﷺ لم يكن إِلا لمزيد العناية به.
هذا وإِن تحريم الحلال على وجهين، الأَول: اعتقاد ثبوت حكم التحريم فيه، وهو كاعتقاد ثبوت حكم التحليل في الحرام وهو محظور يوجب الكفر فلا يمكن صدوره عن المعصوم أَصلا، والثاني: الامتناع عن الحلال مطلقًا أَو مؤكدًا باليمين مع اعتقاد حله، وهذا مباح صرف، وحلال محض.
وما وقع منه ﷺ كان من هذا النوع وإِنما عاتبه تعالى على ما بدر منه رفقًا به، وتنويهًا بقدره. وإِجلالا لمنصبه ﷺ أَن يراعي مرضاة أَزواجه بما يشق عليه مع أَنه أَلف لطف الله به.
٢ - ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢)﴾: