(وَالْقَلَمِ) أقسم الله بالقلم الذي يكتب به الملائكة والناس وبما يكتبونه من الخير والنفع وغير ذلك، وإِنما استحق قلم الملائكة أَن يُقْسَم به لأَنَّهم يكتبون به ما في اللَّوح المحفوظ، ويُسجِّلون به في صحائفهم أَعمال الناس، وأَمَّا استحقاق القلم الذي يكتب به الناس ذلك الشرف فلكثرة منافعه وعظيم فوائده، ولو لم يكن له مَزِيَّة سوى تسجيل كتب الله - عز وجل لكفى به فضلًا مُوجِبًا لتعظيمه، كيف لا وهو الذي يُنْشَر به العلم، وتُحَرَّر به الفنون والآداب وتذاع به المعارف والأَخلاق والفضائل. قال أَبو الفتح البستي:

إِذا أَقسم الأَبطال يومًا بسيفهم وعَدّوه ممَّا يُكْسِب المجد والكرم
كفى قلم الكتَّاب عِزًّا ورفعة مدى الدهر أَنَّ الله أَقْسَم بالقلم
٢ - ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢)﴾:
هذا هو الْمُقْسم عليه، أَي: انتفى عنك الجُنون بسبب نعمة ربك عليك ورحمته بك، وهو الذي اصطفاك للرسالة، وأَهَّلك للنبوة لتخرج الناس من الظُّلمات إِلى النور ومن الشرك إِلى الإِيمان، والآية نزلت ردًّا على كفار مكة وتكذيبًا لهم فيما يقولون وما ينسبونه إليه من الجنون حسدًا وعدواة ومكابرة، والمقصود أَنت مُنَزّه عما يقولون لأَنك أُعْدِدت لتكون هادي البشرية كلها والقائد الخاتم للمسيرة الإِلهية.
٣ - ﴿وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣)﴾:
أَي: وإِنَّ لك لِمُقَاسَاتِك أَلوان الشَّدائد وأَنواع المتاعب، وتحمُّلك أَعباء الرسالة ومشاق الدَّعوة لثوابًا عظيمًا وأَجرًا جسيمًا غير مقطوع مع عظمة، أَو غير ممنون به عليك مِن الناس لأَنَّه عطاؤه تعالى بلا وساطة، أَو من الله لأَنَّك حبيبه، وهو سبحانه وتعالى أَكرم الأَكرمين ومن شِيمة الكرام أَلا يَمُنُّوا بإِنعامهم، لا سيما إِذا كان على أَحبابهم.
٤ - ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)﴾:
أَي: وإِنك لمستمسك بمكارم الصِّفات ومحاسِن الخلال التي طبعك الله عليها وأدَّبك بها، لك خلق لا يُدرك شَأوه أَحد من الخلق، تحتمل من جهتهم ما لا يحتمل أَمثالك من أُولي العزم


الصفحة التالية
Icon