جنتا، وما هي بها (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) قالوا ذلك بعد ما تأَملوا ووقفوا على حقيقة الأَمر وتيقنوا ما فُعِل بجنتهم مُضربين عن قولهم الأَول، أَي: لَسْنَا ضَالِّين بل نحن محرومون حُرمنا خيرها بجنايتنا على أَنفسنا وسوء نيتنا وقصدنا حرمان الفقراء.
٢٨ - ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (٢٨)﴾:
قال أَعدلهم وخيرهم: (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ) أَي: لم أَقل لكم؟! وفي التسبيح قولان:
(١) قيل: المراد الذكر، أَي: هلا تذكرون الله وتتوبون إليه من خبث نيتكم، كان أَوسطهم قال لهم حينما عزموا على حرمان الفقراء: اذكروا الله وانتقامه من المجرمين وتوبوا عن هذه العزيمة الخبيثة من فوركم، وسارعوا إِلى حسم شرها قبل حلول النقمة، فعصوه فوبّخهم، والدليل على ذلك قولهم بعد هذا: (سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) فتكلموا بما كان يدعوهم إِلى التكلم به على إِثر مقارفة الخطيئة وارتكاب الإِثم.
(٢) وقيل: المراد بالتسبيح - الاستثناءُ: وهو أَن يقولوا إِن شاءَ الله، ويلتقي هذا مع الأَول في معنى التَّعظيم، لأَن الاستثناء تفويض إِلى الله، والتَّسبيح تنزيه له، وكل واحد من التفويض والتنزيه تعظيم.
٢٩ - ﴿قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٢٩)﴾:
قالوا بعد أَن ثابوا إِلى رشدهم ورجعوا إِلى عقولهم: نُسبّح الله ونُنَزّهه عن الظلم وعن كل قبيح، ثم اعترفوا بظلمهم ومنع المعروف عن مستحقيه والبخل بما كان يعطيه والدهم للفقراء والمساكين، وفي تركهم الاستثناء قال ابن كثير: وهكذا أَتوا بالطاعة حيث لا تنفع أَو اعترفوا حيث لا ينجع.
٣٠ - ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (٣٠)﴾:
أَي: فأَقبل بعضهم على بعض يلوم كل منهم الآخر في القسم والحلف على منع المساكين أَي يقول: بل أَنت أَشرت علينا بهذا، فإِن منهم - على ما قيل - مَن أَشار بذلك، ومنهم من استحسنه ومنهم من سكت راضيا ومنهم من أَنكره.