٤١، ٤٠ - ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (٤٠) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١)﴾:
المعنى: إِذا كان الأَمر كما ذكرنا من أَنه سبحانه أَنشأَهم إِنشاءً من النطقة المذرة كما يعلمون ولم يكونوا شيئًا مذكورًا: فلا أُقسم (١) برب مشارق الشمس والقمر والكواكب ومغاربها على قدرتنا البالغة على أَن تهلكهم حسبما تقتضيه جناياتهم، ونعيدهم يوم القيامة بأَبدان أَطوع لله، وأَمثل منهم؛ وذلك لظهور الأَمر واستغنائه عن التحقيق والتأكيد بالقسم لأَن الإِعادة أَهون من البدءِ كقوله تعالى: (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (٢) أَي: بالبعث.
أَو أَنَّ "لاَ" رد لكلام سبق للمشركين واجهوا به الرسول وأَصحابه سخرية منهم، واستهزاءً بهم، وطمعًا استحوذ عليهم في دخول الجنة قبلهم، ثم استؤنف فقيل: (أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ) الخ: أي: أَقسم بأَن قدرتنا العظيمة على البعث حقيقة لا شك فيها، وقد شاهدوا من بالغ قدرتنا ما هو أَكبر منه وهو خلق السموات والأَرض، تسخير ما فيها من المخلوقات كما قال تعالى (لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) (٣) فحقيق بهم أَن يدعوا الجحد والعناد، ويؤمنوا إِيمانًا لا مرية فيه ولا ارتياب بأَننا قادرون على أَن نبدلهم خيرًا منهم، (وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) بمغلوبين إِن أَردنا ذلك، لكن إِرادتنا المبنية على الحكم البالغة اقتضت تأَخير عقوبتهم.
٤٢ - ﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢)﴾:
أَي: فدعهم يا محمد غير مكترث بهم وبما يصنعون من تكذيبهم وباطلهم الذي تعودوا اقترافه ولا تبعأُ بما يأتون به في دنياهم من أَعمال لا نفع فيها، ولا خير منها، وإِنما هي لهو ولعب، واشتغل بما أُمرت به، والأمر في الآية لتهديد المشركين ووعيدهم (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ) وهو يوم البعث عند النفخة الثانية، وفي ذلك فسيلقون عاقبة ما علموا، ويذوقون وباله، ويتجرعون أَهواله التي لا تنفع معها توبة ولا يجدي عندها ندم

(١) على أن (لا) نافية للإِقسام.
(٢) الأعراف، من الآية: ٢٩.
(٣) غافر، من الآية: ٥٧.


الصفحة التالية
Icon