١٣ - ﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (١٣)﴾:
هذا عود ورجوع من الجن إِلى تذكر نعمة الله عليهم بالإِيمان به واهتدائهم بسماع آيات القرآن وافتخارهم بذلك، وفي الحق إنه لمفخرة وشرف رفيع لهم.
أَي: وأَننا حين سمعنا القرآن العظيم اهتدينا به وآمنا بالله الذي أَنزله، وصدقنا محمدًا ﷺ في رسالته من غير تردد ولا تريث (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا) أَي: فمن يصدق بالله فإِنه لا يخشى نقصانًا من حسناته، وإِنما يجازي عليها كلها الجزاءَ الأَوفى، ولا يخاف - كذلك - أَن يرهق ويشق عليه بالزيادة في آثامه وسيئاته أَو تغشاه ذلة، فَعَدْلُ الله يأتي ذلك قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) (١).
١٥، ١٤ - ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ (٢) فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (١٤) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (١٥)﴾:
أَي: وأننا - معشر الجن بعد سماعنا القرآن - مختلفون ومتفرقون؛ منا من انقاد وأَسلم وصدق برسالة محمد ﷺ ومنا من جار وعدل عن الحق، وحاد عن الطريق القويم.
وقد رُوي عن سعيد بن جبير - رحمه الله - أَن الحجاج بن يوسف الثقفي - قال لسعيد حين أَراد قتله: ما تقول فيَّ؟ قال سعيد: قاسط عادل، فقال القوم: ما أَحسن ما قال؛ حسبوا أَنه يصفه بالقِسط والعدل، فقال الحجاج: يا جهلة؛ إِنه سماني ظالمًا مشركًا، وتلا لهم قوله تعالى: (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا)، وقوله - عز شأنه -: (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبَّهِمْ يَعْدِلُونَ).
(فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا) أَي: فمن انقاد واختار الإِسلام واتبع الرسول - عليه الصلاة والسلام - فأولئك الذين قصدوا الصواب والحق، وتوخَّوْا سبيل النجاة حتى اهتدوا إِلى رشد عظيم لا يبلغ كنهه ومداه إِلا الله.

(١) الآية ٤٠ من سورة النساء.
(٢) من قسط قسطًا بالفتح، وقسوطًا: إِذا جار وعدل عن الحق، والقسط بالكسر، والإِقساط: العدل.


الصفحة التالية
Icon