وقيل المعنى: وأَن لو استقام الجن على طريقتهم التي كانوا عليها قبل سماع القرآن ولم ينتقلوا عنها إِلى الإِسلام واستمروا على كفرهم لوسعنا عليهم الرزق، وأَغدقنا عليهم من الخير استدراجًا لهم وإِمهالًا وإِملاءً حتى يأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (٣٤) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (٣٥)﴾ (١) وقال - سبحانه -: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (١٧٨)﴾ (٢).
والرأَي الأَول أَولى وأَحق بالاعتبار لأَن كلمة (الطريقة) المعرَّفة بالأَلف واللام إِنما ترجع إِلى الطريقة المعروفة المعهودة وهي طريقة الهدى والرشاد. (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا).
أَي: ومن يتولَّ ويَنْأَ عن عبادة ربه ويتجافَ عنها فيجعلها في جانب وهو في جانب يدخله الله في عذاب يعلو طاقة ذلك الشقي المعذب ويشق عليه ويغلبه فلا يطيقه.
١٨ - ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (١٨)﴾:
قال مجاهد: كان اليهود والنصاري إِذا دخلوا بِيَعَهُمْ وكنائسهم أَشركوا بالله فيها؛ وذلك أَن النصارى تقول: المسيح ابن الله، واليهود يقولون: عزير ابن الله، فأَمر الله - عَزَّ وجلَّ - نبيَّه والمؤمنين أَن يخلصوا العبادة لله وحده، وأَلاَّ يدعوا مع الله أَحدًا إِذا دخلوا المساجد كلها، هذا وإِن الأَرض جميعًا مساجد للرسول ﷺ ولأَمته، فقد ورد في حديث جابر عن عبد الله الذي أَخرجه البخاري: "وجعلت لي الأَرض مسجدًا وطهورًا، فأَيما رجل من أَمتي أَدركته الصلاة فليصل" وعلى هذا قال: فالمساجد جمع مسجِد - بكسر الجيم - وقيل: المراد بها الأَعضاء السبعة التي يسجد عليها، واحدها مسجَد - بفتح الجيم -

(١) الآيات - ٣٣، ٣٤، ٣٥ من سورة الزخرف.
(٢) الآية ١٧٨ من سورة آل عمران.


الصفحة التالية
Icon