الذي جاءَني بحراءَ جالس على كرسيّ بين السماءِ والأَرض، فرغبت منه، فرجعت فقلت: زملوني، فأَنزل الله: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنِذرْ) إلي قوله: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) فحمى الوحي وتتابع، وقال المفسرون: وعلى أَثرها نزلت (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ).
أَي: يا أَيها المتلفف بثيابك، وكان رسول الله ﷺ نائمًا بالليل متزملا في قطيفة فناداه ربّه بذلك تأنيسًا له وملاطفة على عادة العرب في اشتقاق اسم للمخاطب من صفته وحالته التي هو عليها، كقوله ﷺ - لعليّ - كرم الله وجهه - حين غاضب زوجه فاطمة الزهراءَ - رضي الله عنها - فأَتاه وهو نائم وقد لصق بجنبه التراب: "قم أَبا تراب" وكذلك قوله - عليه الصلاة والسلام - لحذيفة: "قم يا نومان" وكان نائمًا، ونداء الله له بذلك قصدا لرفع الحجاب وطيًّا لبساط العتاب وزيادة في الإِدلال والترأَف تنشيطًا له ﷺ ليتلقى ما يكلف به من عمل يشق عليه بهمة عالية وعزيمة صادقة لا تعرف كلالا أَو تعبا.
وقيل: يا أَيها المزمل بالنبوة والملتزم بالرسالة. وقيل: المزمل بالقرآن.
(قُمْ اللَّيْلَ) أَمره - سبحانه - بالقيام والتشمر في الليل لإِحيائه بالصلاة والعبادة وتلاوة القرآن، وترك الهجوع إِلى السجود والركوع، وهجر المنام إِلى ما فيه نيل البغية وبلوغ المرام، إِنه - عزَّ وجلَّ - يعدُّه ويهيئه بقيام الليل وفيه ما فيه من المجاهدة والمصابرة ليؤهله إِلى أَداء الرسالة لقوم قوى مراسهم واشتد عنادهم.
(إِلا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا *أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) أَي: قم نصف الليل (١) أَو أَقل من النصف أَو أزيد منه واختلف في المراد من ذلك: فذهب أَكثر المفسرين إِلى أَنه ﷺ خُيِّر بين قيام نصف الليل أَو ثلثه أَو ثلثيه، وقال آخرون: هو مخيّر بين قيام نصف الليل أَو ربعه أَو ثلاثة أَرباعه (٢) والرأي الأَول أَجدر وأَولى لوضوحه وبيانه ولاتفّاقه مع ما جاءَ في آخر السورة: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ).
(٢) أي: قم نصف الليل أو انقص من هذا النصف قليلا يعني انقص نصفه فيكون الربع، أَو زد على النصف قليلا، يعني نصفه، فيكون المجموع ثلاثة أرباعه.