عليه الصلاة والسلام فقال: يا محمد، حدثني عن يوم القيامة متى يكون؟ وكيف يكون أَمره؟ فأَخبره رسول الله ﷺ فقال: لو عاينت ذلك اليوم لم أُصدقك يا محمد ولم أُؤمن به، أَوَيجمع الله هذه العظام؟ فنزلت، وقيل: هو أَبو جهل فقد روى أَنه كان يقول: أَيزعم محمد أَن يجمع الله هذه العظام بعد بلائها وتفرقها فيعيدها خلقًا جديدًا فنزلت. قال الآلوسي: وذكر العظام -وإِن المعنى على إِعادة الإِنسان وجمع أَجزائه المتفرقة- لِمَا أَنها قالب الخلق.
٤ - (بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ):
أَي: نجمع العظام بعد تفرقها وصيروتها رميمًا ورفاتًا في بطون البحار وبين الأَودية، والقفار حال كوننا قادرين على تأليف جمعها وإِعادتها إِلى التركيب الأَول وعلى أَن نسوي أَصابعه التي هي أطرافه وآخر ما يتم به خلقه، أَو على أَن نسوي ونضم سلامياته على صغرها بعضها إِلى بعض كما كانت أَوَّلًا من غير زيادة ولا نقصان ولا تفاوت، فكيف بكبار العظام وما ليس في الأَطراف منها، وقيل المعنى: بل نجمعها ونحن قادرون على أَن نسوي أَصابع يديه ورجليه، أَي: نجعلها مستوية شيئًا واحدًا كخف البعير وحافر الحمار لا نفرق بينها فلا يمكنه أَن يعمل بها شيئًا ممَّا يعمل بأَصابعه المفرقة ذات المفاصل والأَنامل من فنون الأَعمال والقبض والبسط والتأَتي لما يريد من الحوائج، وروى هذا عن ابن عباس وقتادة ومجاهد وعكرمة -اهـ آلوسي والكشاف-.
ولا يخفى أَن في الإِتيان بلا أَوَّلًا في (لا أُقْسِمُ) ممَّا يزيد في تأكيد الكلام وتقويته، وحذف جواب القسم لتأْخذ النفس فيه كل مأْخذ، والإِتيان بقوله: (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ) من إِيثار لفظ الحسبان على لفظ العلم، والإِتيان بهمزة الإِذكار سندًا إِلى الجنس وبحرف الإِيجاب في (بَلَى) والحال بعدها (قَادِرِينَ) -في الإِتيان بهذه من المبالغات في تحقيق المطلوب وتفخيمه وتوبيخ المعرض عن الاستعداد ما تبهر عجائبه، ثم الحسن كل الحسن فيما يتضمنه حرف الإِضراب في قوله تعالى: (بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ). -آلوسي- بتصرف.


الصفحة التالية
Icon