(إِذَا بَلَغَتْ): الضمير في بلغت للنفس أَو الروح وإِن لم يَجْرِ لها ذكر، لأَن الكلام يدل على ذلك، كما قال تعالى: "حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ" (١) أَي الشمس ولم يتقدم لها. ذكر وقول حاتم:
أَما ويّ ما يُغني الثراءُ عن الفتى | إِذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدر |
ذكّرهم صعوبة الموت الذي هو أَول مراحل الآخرة حين تبلغ الروح التراقي ويدنو خروجها وزهوقها وقال الحاضرون لصاحبها وهو -الْمُحْتَضَر-: (مَنْ رَاقٍ).
٢٧ - (وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ):
أَي: قال من حضر صاحبها -الَّذِي أَشْرَفَ عَلَى المَوْتِ-: من يرقيه وينجيه مما هو فيه -من الرُّقْية- وهي ما يستشفي بها الملسوع واللديغ والمريض من الكلام المعد لذلك ومن آيات الشفاءِ، ولعله أُريد به مطلق الطبيب، أَعم من أَن يُطِب بالقول أَو بالفعل، والاستفهام عند بعض العلماءِ حقيقي، وقيل: هو استفهام استبعاد وإِنكار أَي بلغ مبلغا لا أَحد يرقيه، كما يقال عند اليأْس: من الذي يقدر أَن يرقى هذا المشرف على الموت؟ وروى ذلك عن عكرمة وابن عباس، وقيل: هو من كلام الملائكة -أَي أَيكم يَرْقي بروحه أَملائكة الرحمة أَم ملائكة العذاب؟ من -الرُّقِيّ- وهو العروج، وروى هذا عن ابن عباس ولسليمان التيمي، والاستفهام عليه حقيقي.
٢٨ - (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ):
أَي: وظن الإِنسان المُحْتضر أَن ما نزل به هو الفراق للدنيا ونعيمها، وقيل: فراق الروح للجسد، والظن هنا عند أَبي حيان على بابه، وأَكثر المفسرين على تفسيره باليقين، قال الإِمام الرازي: ولعله إِنما سمى اليقين هنا بالظن لأَن الإِنسان ما دامت روحه متعلقة ببدنه يطمع في الحياة بشدة حبه لهذه الحياة العاجلة ولا ينقطع رجاؤُه عنها، فلا يحصل له يقين الموت، بل الظن الغالب مع رجاءِ الحياة، أَو لعله سماه بالظن على سبيل التهكم.
(١) سورة ص من الآية ٣٢.